مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 18-09-2005, 04:08   #1
إبراهيم الوافي
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ إبراهيم الوافي
 

رسائل إلى أمي الطيبة ( آخر المنتمين إلى الجرح )




( 1 )

ساعة الليل معلقةٌ في جدار الوجع ..!
بين الصبح وخلود الحزن مفترق طريق ، ظلت سيارتي تترنَّحُ فيه حتى كادت تدهسها الأرصفة ..!
كنت أعلم أن الصباح أشبه بنعشٍ مكسورٍ حين يجيئني خاويًا مني ..!
عدتُ إلى بيتي وأشعلتُ سيجارتي ثم آويتُ إلى سجادة أمي ..
ربتت على كتفيَّ وقالت :
ليس للنوم متسع بين جفون الأرق..!
آه لو تدرين أيتها الطيبة أي هواءٍ باردٍ يتخللني الآن ..!
عدتُ يا أماه بعد أن شربت ملوحة النجوم وأطعمتُ الخفافيش أحلام الفراشات الآمنة ..!
عدتُ أجدِّف قدمي في فراغ الوقت باحثًا عن سلَّمة احتواء .. !
عدت يا أماه من جنة القلق لنار السكينة ، من ضجيج الحب لهدوء الانكسار ، من عين القمر لدمعة الرمال ..!!
قلتِ لي بعد رحيل ( فاتن التي تحبين ) إن امرأة تشبه الجزيرةَ سوف تحملك يومًا على غيمة من جراح وتهوِّم بك في مدارات ما حوَّمت على مواطن الظن يوما ، ثم تعيدك قطعة قماش زادت عن فستانها الذي سترتديه حين تقف على بوَّابة الجديد المدهش وتضغط بفتنة على مفتاح الإضاءة ..!
النساء يا أماه لايتشابهن كما قيل لي .. ليلى تعصر لوفاء عطر القلب والعمر الجميل ، والصبر على نساء القبيلة ، وجوع اللحظة ..!
لكن الأخريات ستائر النوافذ المطلة على الشعر ..!
لم أكن أعلم أيتها الطيبة قبل هذه الساعة أن العذاب بدوي يقيم في ضاحية الانتظار ، ثم يغزوه في الصباح الباكر ليجتث أشجاره المورقة نقاء على أرصفته ويطعم بها ماشية الليل السائبة ..!
لم أكن أعلم أيتها الحزينة منذ رحيل أبي أن أسواق النخاسة ستفتح مجددا من أجل قلبي الذي تشبث بالحب منذ نعومة جراحه .. !!
لم أقل شيئا
لم أفعل شيئا سوى أنني ردَّدت قول نزار الذي أسمعتك يوما ( بلقيسه ) فبكيتِ منه وله
قلت عليكِ أن تختاري بين عطر الذاكرة وذاكرة العطر ..!!
آه يا أماه ...
النساء شرفات التعب ووجع النوارس البيضاء ..!
متعب أيتها الطيبة ..!
ألم تقولي لي يوما إن صلاة الفجر أشد بياضا من لحظة القصيدة ؟!
لقد صليت الفجرَ جماعة يا أماه وعدت بانتظار الشمس التي أمهلتني حتى احترقْتْ ..!
استنفذت كل شيء يا أماه ..
الصوت .. الرسائل .. الحنين .. الحب الذي تتعثر فيه قدرتي على العتاب ...
ذلك الذي يشبه دهشة العصافير من استمتاع الأطفال بخوفها ..!
سعال آخر الليل .. نصف كوب ماء بجوار سيدة تنام تعبًا مني .. وتستيقظ رحمةً بي ..!
الحب المنقوش في منديل لاتجتمع فيها الدموع وألوان ( الروج ) المختلفة ...!
هو سفر الضوء ..و ظِلالُ العتمة ..
رائحة العطاء .. وتمييييييييييييييمة الحياة ...!
استنفذتُ كل شيء يا أماه ..
القدرة على الكلام .. وأخيرا المثول أمامك ..!
وهأنا الآن أترنَّح فوق كرسي الوجع الهزَّاز ، ولعلني أكون قربان اللحظة وآخر المنتمين إلى الجرح ....!!


التوقيع:


أنا لم أصفعِ الهواء..
كنتُ أصفّقُ فقط ..!
https://twitter.com/#!/ialwafi



إبراهيم الوافي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس