مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 12-11-2005, 13:35   #7
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

رد : قراءات.. حوارات.. مباحث في السرد

.
.
مثلث متساوي الأضلاع (قصة مترجمة)
ماريو بنيديتي
مجلة العربي الكويتيه


مضى على المحامي (أرسينيو بورتاليس) والممثلة المعتزلة (فاني أرالوثي) اثنتا عشرة سنة من الزواج السعيد. منذ البداية, طلب الزوج من (فاني) اعتزال التمثيل, لأنه فيما يبدو, لم يكن متحرّرًا بالقدر الكافي ليحتمل مشاهدة زوجته الجميلة ليلة بعد أخرى بين أحضان وقبلات آخرين على خشبة المسرح.

بذلت هي مجهودًا كبيرًا لتلبية رغبته التي تؤمن أنها شيء غبي, وتنبع عن إحساس مرضي بالرجولة, وتفتقد أدنى حسّ مهني. (من ناحية أخرى), كان قد أضاف الزوج إلى تلك الرغبة شيئًا آخر يبرر طلبه لاعتزالها, (لا أعتقد أن لديك المواهب الكافية لتنجحي كممثلة مسرحية, لأنك شفافة أكثر من اللازم, في كل دور تطغى شخصيتك الحقيقية على الشخصية المسرحية, في الوقت المطلوب فيه أن تطغى الشخصية المسرحية على شخصيتك الخاصة, أنت شفافة أكثر من اللازم, والممثل الحقيقي يجب أن يكون غير شفاف كإنسان, وما لم يكن كذلك فلن يكون قادرًا على أداء دور شخص آخر, مهما ارتديت ملابس (أوفيليا), أو (إليكترا) أو (ماريان بيريدا), فإنك ستكونين دائما (فاني أرالوثي). أنا لاأنكر أن لديك مواهب فنية, ولكن يجب أن توجهي مواهبك نحو الرسم أو الأدب, أي, لممارسة فن تكون فيه الشفافية فضيلة وليست عيبا).

تركت (فاني) زوجها يعرض وجهة نظره, إلا أنه لم يقنعها أبدا. وإذا كانت قد تخلت عن عملها كممثلة, فذلك من أجل الحب, لم يكن هو يفهم ذلك أو يقدره على هذا النحو. مع ذلك, فإنه خلال الحياة اليومية, الخاصة, كانت (فاني) منظمة, قنوعة, تكاد تكون ربة بيت مثالية.

ربما كانت ربة بيت أكثر من مثالية بالنسبة للمحامي د. (بورتاليس). كانت خلال العامين الأخيرين للمحامي علاقة نسائية أخرى, سرية ومنتظمة, بامرأة مشبوبة العاطفة, متناقضة, وكما لو كان كل هذا غير كاف, فقد كانت جذابة جدا.

استأجر (بورتاليس) شقة صغيرة على بعد ثماني نواصٍ من بيته, كمكان مناسب لتلك اللقاءات, كان مهتما بتنظيم أسباب ذهابه إلى مخبئه لأسباب مهنية كان عليه الذهاب إلى بيونس أيريس مرة واحدة أسبوعيا, ولا يغيب إلا ليلة الثلاثاء فقط, ويطلب من (فاني) ألا تهاتفه خلالها, ولكن تحسبا لشكوكها, قدم لها رقم تليفون زميل من العاصمة, مع تعليمات محددة: (آه أرسينيو? في اجتماع أعتقد أنه سيمتد إلى وقت متأخر). إلا أن (فاني) لم تهاتفه أبدا.

هي, التي كانت تعرف احتياجات زوجها أكثر من أي شخص آخر, كانت ترتب له حقيبته الصغيرة وترسل في طلب التاكسي. و(بورتاليس) كان يهبط من التاكسي بعد ثماني نواصٍ, يصعد إلى الشقة السرية, يتخفف من ملابسه, يعد مشروبا, يشعل التلفزيون, في انتظار (راكيل) التي كانت هي الأخرى متزوجة, والتي يجب أن تنتظر ذهاب زوجها في رحلته الأسبوعية للتفتيش على أملاكه. في الحقيقة كان لقاء الثلاثاء بناء على رغبة (راكيل), لأنه اليوم الذي اختاره زوجها الثري لمراقبة محاصيله الزراعية. (وليترك لنا الفضاء طليقا), كما كان يقول أرسينيو.

عندما تأتي (راكيل) بعد طول انتظار, يتناولان العشاء في البيت, لأنهما لا يستطيعان المغامرة بأن (يشاهدا معا في السينما أو في أحد المطاعم. بعدها يأتيان الحب بطريقة مغايرة, شبابية ومنطلقة, كما لو كانا مراهقين. يشعر (بورتاليس) كل ثلاثاء وكأنه استعاد حيويته من جديد. يبذل جهدا مضاعفا كل أربعاء ليمارس عادات البيت الشرعية, بنقاء وطبيعية.

عند العودة, لا يعرف لماذا, يبالغ في اتخاذ الاحتياطات, يطلب تاكسيا, يطلب منه أن يتركه في المطار, وبعدها بقليل, يستقل تاكسيا آخر ليوصله إلى البيت. خلال هذا الاعتياد, كانت (فاني) تسأله عن الرحلة, فكان حينها يخترع تفصيلات صغيرة عن لقاءات العمل المملة مع زبائنه في بيونس أيريس, مؤكدا دائما على مدى تشوقه للعودة إلى البيت.

وأخيرًا جاء الثلاثاء الذي تكتمل فيه السنة الثانية من اللقاءات السرية مع (راكيل), واستطاع (بورتاليس) الحصول على عقد من الزهور الصغيرة الملونة, أرسل في طلبه من إيطاليا عن طريق أحد زبائنه, وهذا زبون حقيقي قدم له خدمات مهمة. بينما كان (بورتاليس) هائما في شقته السرية: أعد ما يشربه مع (راكيل), استلقى على الأريكة, منتظرًا وصولها بشوق أكبر من تشوّقه لرؤيتها في المرات السابقة.

وصلت هي متأخرة عن المعتاد, لكنها عللت تأخيرها بذهابها لشراء هدية بمناسبة الذكرى السنوية للقاءاتهما: رباط عنق حريري, مزركش بخطوط زرقاء على أرضية رمادية. عندها قدم لها (أرسينيو بورتاليس) علبة العقد. أعجبها العقد جدا. قالت: (سأذهب إلى الحمام للحظات قليلة, وهكذا أجرّب العقد وأرى إن كان يليق بي), قالتها بطريقة تدل على أنها مقدمة لأشياء أخرى, قبلته برقة وحرارة. وكما هو طبيعي, اعتبر هو هذه القبلة بداية لليلة رائعة.

إلا أن (راكيل) تأخرت في الحمام, وبدأ هو يشعر بالقلق, نهض وتوجه نحو الباب المغلق وسأل: كيف الحال? هل أنت بخير? قالت هي: (أنا بخير جدا....سأكون معك حالا).

دون قلق, ولكن بتشوّق لما سيأتي بعد تلك البدايات المشجعة, عاد (بورتاليس) إلى الجلوس على الأريكة. انفتح باب الحمام بعد خمس دقائق, ولمفاجأة الرجل المنتظر, لم ينفتح الباب لتخرج منه (راكيل) بل (فاني أرالوثي), زوجته, وحول عنقها العقد الفلورنسي.

(بورتاليس), المصعوق من المفاجأة, لم يفعل سوى الصراخ: (فاني!), ماذا تفعلين هنا? هنا?, أكّدت هي, (حسن, ما كنت أفعله كل يوم ثلاثاء, يا عزيزي). جئت لأراك, أعيش معك الحب, أحبك وأكون محبوبة منك), وكما أن (أرسينيو) ظل فاغر الفم, أضافت (فاني): (أرسينيو أنا (فاني) و(راكيل) أيضا. في البيت أنا زوجتك (فاني.أ.دي بورتاليس), لكن هنا أنا الممثلة السابقة (فاني أرالوثي), أي أنني في البيت شفافة وهنا متصنّعة, بفضل مساعدة الماكياج, وباروكات الشعر ونص جيد, بالطبع).

(راكيل), غمغم أرسينيو بورتاليس.

(نعم, (راكيل), ألم تنتبه إلى ذلك? لقد خنتني مع نفسي, والآن وبعد عامين من الحياة المزدوجة, عليك أن تختار. إما أن تطلقني أو تتزوج مني, لست مستعدة للاستمرار في تلك الحياة, وهناك شيء آخر, بعد هذا النجاح الدرامي, بعد عامين من ممارسة العمل في مسرحية ناجحة, أخبرك فقط أنني سأعود إلى العمل في المسرح).

(صوتك) غمغم أرسينيو (هناك شيء غريب في صوتك, ولا حتى لون عينيك هو لون عينيك).

(بالطبع, وإلا لماذا اخترعوا العدسات الخضراء? كنت أسمعك دائما تقول إنك معجب بالفتيات ذوات العيون الخضراء).

(ملمس بشرتك, بشرتك لم تكن هي نفسها).

(آه لا, يا عزيزي, أشعر بالأسف لخداعك, هنا وهناك كانت بشرتي هي نفسها, فقط يداك كانتا مختلفتين. يداك كانتا تتخيلان لي بشرة أخرى, على أي حال, ولا حتى أنا أعرف أيّهما بشرتي الحقيقية: هل هي لفاني أم لراكيل, يداك لهما الكلمة الأخيرة).

أحكم (بورتاليس) قبضته, مشوّشا أكثر منه غاضبًا, ومنهارًا أكثر منه نزقا.

قال بصوت مختنق: (لقد خدعتني).

قالت فاني / راكيل: (بالطبع)
.
.
وحوااااار..
.
.
- أعجبتك؟
- جدا، العنصر الثالث تقصد على طريقة روديارد كبلنج؟
- يعني..
- لكن كبلنج ما كان يقصد هذا المعنى، هنا لا يوجد عنصر ثالث، عشيق أو عشيقه، حقيقة أو خيال يرتبط به أحد طرفي العلاقة المشروعة، هنا زوجة وممثلة قديرة، أحببت إنهائها للقصة بكلمة (بالطبع)، أحسست أنها تنتقم لي.
- تنتقم لك، وأنت مالك؟!!
بعدين العنصر الثالث جاءت الإشارة إليه في عنوان القصة كما ترين:
مثلت متساوي الأضلاع: زوج وزوجه وعشيقه، في النهاية تطابق رأسي المثلت: الزوجة والعشيقة.
- أنا مالي، اقولك: أحسست أنها انتقام انثوي من كل الرجال الخونة عبر (القراء).
- وما الذي أعجبك اكثر شيء؟
- أحببت التعامل مع الجنس في النص بهذه الطريقة الراقية، لم أقرأ كلمة بذيئة واحدة، ولم أشعر بأي نشوة جنسية مفتعله لا مبرر لها، هذا مع أن القصة كلها تتحرك في محور جنسي.
- وتمثيلي.
- لا التمثيل كان أداة لتحقيق هدف، ربما لكي نتفهم أكثر كقراء كيف أن المحامي القدير لم يستطع اكتشاف زوجته رغم مرورها أمامه وبين يديه لسنتين متواصلتين، ربما هو تمثيل متقن، وربما أصيب الزوج بعمى ألوان بسبب التجديد والتغيير كما يتصوره، وربما العوده إلى روح المراهقة كما كان يفعل ومن ثم يعتقد.
- لكن سؤال خارج عن النص، لم فعلت ذلك في الخارج وإن باسم التمثيل، لم لم تحاول ذلك في البيت؟
- ربما تعرف زوجها، لعله على طريقة شاعرنا الفرزدق: ما أجملك في الحرام وما أقبحك في الحلال، هو كان يطلب تغييرا شاملا، حتى الصوت وملمس البشرة والشعر وطريقة اللبس، والمعاشرة الزوجية أيضا.
-هل تصنفينها من القصص الاجتماعي؟
- لا، اصنفها إن كان لا بد من تصنيف ضمن القصص الإنساني، تلك النوعية من القصص التي تتحدث عن دواخل الانسان وأفعاله وتصرفاته مدفوعا بالغريزة ومجبولا على الرغبة في التغيير، على فكره..
- نعم.
- هل تخيلت الموضوع بطريقة مختلفة، بمعنى أن يكون العنصر الثالث كما تقول عشيقا، بمعنى أن المحامي تحول إلى ممثل وتحولت هي إلى طبيبة تتعامل مع عشيق يثبت في النهاية أنه زوجها؟
- وهل من فارق؟
- نعم وفارق كبير لكنكم لا تفهمونه معشر الرجال..
- هاته يا... معشر النساء.
- المرأة حين تخون زوجها - المعافى من الناحية الجنسية - فهي لا تخونه لأنها ترغب في تحقيق متعة إضافية، بقدر ما تسعى للإنتقام منه لسبب مختلف: الرد على إهانه، المجازاة بالمثل، ثم هي لا تعبأ كثيرا بالاحتياطات كما يفعل الرجل.
- نعم، ناقصات عقل ودين حتى حين يفكرن في الخيانة..
- مش قصدي..
- ..
- قصدت أنه قد تتوافر عناصر الخيانة عند المرأة لكن عنصر التغيير ليس هو العنصر الأهم أو بتعبيرنا النسائي (فراغة العين) ليست هي العنصر الأهم كما هي الحال مع الرجل، الذي بحافز التغيير يدع زوجته وقد تكون من أجمل النساء وأكثرهن أنوثه ليمضي ليلته مع خادمه بنجلاديشية.
- خادمة بنغلاديشية، الحمد لله خادمتنا اندونيسية.
- أخطر، يمكن تسحرك..
_ ..
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس