مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 25-09-2005, 13:04   #1
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

صلاحية منتهية...

.
.
فمي مر..
ما المشكلة ؟!!

مرارا طالبت بأن يتم إقفال أنبوبة معجون الأسنان بعد الاستخدام، لكن من يسمع؟ لا أحد يبالي بالسماع، كلهم يتكلمون، معجون فاسد ومنتهي الصلاحية، وعلي أن ألوك مرارته وأن أتقيأها أيضا، ثم علي أن أطلب شراء أنبوبة أخرى وقد لا يشتري أحد، البديل لديهم بعد اكتشافي المذهل وشعوري بالمرارة هو البقاء بأسنان قلحة، ولثة يختلط فيها اللعاب ببقايا الأكل والسجائر، لا يبالون بأسناني، يعتقدون أنها مثل أشياء أخرى في جسدي، بلا قيمة، وفي الطريق إلى صلاحية منتهية.

القهوة كانت أكثر مرارة..
لم تكن مرارة القهوة، بل مرارة القِدَم، حين تأملت القهوة كان سوادها شبيها بصبغة حذاء أسود لم تمرر عليه فرشة التلميع، سواد كريه. يمارسوني بالسواد الكئيب والقهوة القديمة، لا بأس، ألست مكتشف الصلاحيات المنتهية هنا، ألست حقل التجارب؟!!
فأر بصفة إنسان.

ملابسي أيضا تعاني الكآبة..
فضفاضة، مثل ثياب المحجبات في المسلسلات المصرية. بابا كأنك لابس خيمة،هكذا قالت ابنتي الصغيرة ذات تأمل طفولي، وأيضا الغترة البيضاء تحولت إلى صفراء، ما عاد أحد يحاسبني إذ أكون أنيقا أو لا أكون، لن يغازلك أو يقابلك أحد، وأن تمر الغترة على المكواة أو لا تمر فذاك شأن لا يليق بي حتى التفكير فيه كما يعتقدون، أما الحذاء البني الرسمي والفاخر فقد تحول لونه إلى شيء يشبه الفضلات الآدمية، شيء مكلل بالقبح. انتهت صلاحيات مظهري، انتهت من قمة رأسي الأشيب الأصلع إلى أخمص إصبعي المهدد بمقراض السكري.

وبقي أحد يسمع فريد الأطرش، وتحبه أيضا؟!!
لكني أكملت حديثي، لم أقل لهم أني أحب أفلام فاتن حمامه خصوصا حين يصاحبها زكي رستم، ولم يشفع لرجعيتي الحديث عن كاظم الساهر ونزارياته الغنائية رغم أنها لم تعجبني، لكني كنت أحاول أن أبدو معاصرا وحديثا، لكن حتى هنا بدوت متخلفا عن الجيل بمراحل، وأخيرا صفعني أحد أصدقاء ابني البكر: أنا والله ما ادري يا عم ايش تحبون في أم كلثوم، لا شكل ولا مضمون؟!!، لم أعقب، ابتسمت بكآبة استوطنت القلب منذ زمن..
حتى ذوقي الفني انتهت صلاحيته.

قرأت مقالا كتبه احد الجدد عن القدماء..
قال إننا أصنام، ديناصورات، شيء من الماضي، شيء لا علاقة له بالفضائيات والهواتف المتنقلة والإنترنت والعولمة والحداثة. نحن نذكره بشامة سميرة توفيق، وغمزة هيام يونس، وثورة طه حسين البائسة، وثورية عبد الناصر التي قادت إلى الهزيمة. سرحت في كتابته وكلماته ووجدتني ابتسم لسميرة توفيق، وأراهق مع هيام يونس، وأصفق رغما عني لعبد الناصر إذ يؤمم قناة السويس، وأبكي معه حين يستقيل، وعليه حين يموت.
هل انتهت صلاحية سميرة توفيق وجمال عبد الناصر؟!!
ترحمت عليه، وبكيت علي .

حين تكون بصلاحية منتهية تتحول إلى واعظ يميل إلى الذكريات..
أتحدث كثيرا عن مضار التدخين، وعواقب الإفراط في الأكل والجنس، وأهمية المحافظة على الصلاة، وأكثر من ذكر الصالحين، وأبكي إذ أسمع القرآن، وأتحول إلى الآخرة، وأنهاهم عن شتم الحكومة، وأمدح السلطان بمناسبة وبدونها. لكنهم لا يصدقون، ربما لأني أحدثهم بصلاحية منتهية، وهم يسمعون بصلاحية يمارسونها للتو، حين قلت لأحدهم معتذرا عن خطيئة الوعظ: لا أحب أن تقعوا في أخطائي. أجاب بهدوء مصطنع: دعني أجرب الخطيئة وأقرر. وشعرت به يريد أن يكمل: بعيدا عن وصايتك.

قال لي صديق كنت فيمن دفنه: ادع الله، و لتمت قبل أن تكون عبئا على أحد، وقبل أن تكون نفسك عبئا عليك..
حين غسلناه، كنت حريصا على أن يكون في كفن كامل الصلاحية، ومسحت جسده بثلاث تولات جديدة من دهن العود .
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس