الموضوع: ترجماتي...
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-08-2005, 13:36   #2
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

رد : ترجماتي...

.
.
موت كاتب حكومي
كتبها بالروسية: أنطوان تشيكوف
نقلتها إلى الأنجليزية: دار وورد وورث كلاسيكس


قمت بنقلها إلى العربية عن النص الانجليزي شتاء 2003م..
.
.
كان مساءً جميلا، في الصف الثاني من القاعة جلس إيفان ديميتريش تشيرفياكوف الموظف الحكومي الصغير متابعا العمل المسرحي من خلال نظارته الصغيرة، كان في قمة سعادته، لكن فجأة .. (المؤلفون على صواب، في القصص كثيرا ما يجد أحدنا – فجأة – هذه، الحياة حافلة بالأحداث غير المتوقعة) فجأة تغيرت ملامحه، تضاءلت عيناه، توقف نفَسَه، خلع نظارته، انحنى للإمام …ها..تشو.. عطس، كما ترون.

العطس ليس محرما على أي أحد وفي أي مكان، الفلاحون يعطسون، رؤساء الشرطة يعطسون، وأحيانا حتى المستشارون الخصوصيون يعطسون، لم يرتبك تشيرفياكوف كثيرا، مسح أنفه بمنديله، ثم وكأي رجل مؤدب ألقى نظرة سريعة على من حوله ليتأكد أنه لم يزعج أحدا بعطاسه، حينها فقط ارتاع لأنه رأى سيدا عجوزا يجلس أمامه في الصف الأول، كان يمسح صلعته ومؤخرة رقبته بقفازه، وبضيق كان يتمتم ببعض الأشياء لنفسه، عرف تشيرفياكوف الرجل، إنه الجنرال المدني بريزجالوف رئيس دائرة النقل في المدينة.

"لقد عطست عليه" فكر تشيرفياكوف "ليس رئيسي، لكنه مازال عملا أخرق، يجب أن أعتذر له".
كح بهدوء، انحنى للأمام، وهمس في إذن الجنرال:

- آسف يا سيدي، أعتذر لمعاليكم، أنا بالصدفة…
- لا يهم..لا يهم.
- بحق الله سامحني، لم أكن أقصد أن…
- اوه .. أرجوك، ارجع إلى مكانك..دعني أسمع.

اضطرب تشيرفياكوف، ابتسم ببلاهة، حول بصره باتجاه خشبة المسرح، نظر، لم يعد يشعر برغبة في المتابعة، بدأ القلق يعذبه، في نهاية العرض وأثناء الخروج توجه إلى الجنرال، مشى بجانبه، وغالب حياؤه وهو يتمتم:

- لقد عطست على معاليكم، سامحني سيدي، تعلم معاليكم...لم أفعل ذلك لـ….
- هذا يكفي، لقد نسيت الموضوع، أما زلت تردده ؟!! قال له الجنرال بنفاذ صبر فيما كانت شفته السفلى تنتفض.

"يقول أنه نسي الموضوع، لكن هناك نظرة حقد في عينيه" ردد تشيرفياكوف، ثم تابع وهو ينظرُ إلى الجنرال بارتياب، "إنه حتى لم يتكلم، يجب أن أشرح له أني لم أكن أقصد، العطاس من قوانين الطبيعة يجب أن يفهم ذلك وإلا سيعتقد أني تعمدت أن..أن أبصق عليه قد لا يعتقد ذلك الآن، لكنه سيعتقده لاحقا".

عندما وصل إلى البيت أخبر زوجته بما كان..أخبرها عن خرقه للسلوكيات الحسنة ، ضايقه أنها لم تعط الموضوع أية أهمية ، اهتمت بالموضوع بداية ثم اطمأنت لمّا عرفت أن بريزجالوف يعمل في دائرة أخرى، "لكن يجب أن تذهب وتعتذر له.." ثم أضافت.."قد يعتقد أنك غير مهذب…"

- هذا ما فعلته، لقد اعتذرت لكنه تصرف بغرابة شديدة…لم يقل كلمة مفهومة… ثم لم تتح لي فرصة لمحادثته…

في اليوم التالي حلق.. لبس زيا رسميا جديدا، وذهب ليشرح الأمر لبريزجالوف، عندما دخل مكتب الاستقبال الخاص بالجنرال وقعت عيناه على مجموعة من المراجعين وقد اصطفوا واقفين وقد توسطهم الجنرال الذي كان قد بدأ باستقبال طلباتهم والشرح على عرائضهم، وأثناء استفهامه عما جاء في بعض هذه العرائض رفع عيناه إلى تشيرفياكوف.

- مساء أمس..في المسرح..إن كنتم تتذكرون معاليكم.. - بدأ الموظف الحكومي الصغير كلماته مضطربا -وبالصدفة..عطست وتطرطش لعابي عليكم..آســـ....
- أي هراء هذا..هذا يفوق الإحتمال…عفوا….هل من خدمة أقدمها لك؟!!

"لا يرغب في أن يتحدث عن الموضوع.." تغيرت ملامح وجه تشيرفياكوف.."هذا يعني إنه غاضب..يجب أن أشرح له الموضوع، لا يجب أن أترك الموضوع هكذا.." ..عندما انتهى الجنرال من مقابلة آخر مراجع، وأثناء توجهه إلى الغرف الداخلية وقف تشيرفياكوف أمامه متمتما:

- صاحب المعالي..آسف لأني كنت قد تجرأت على إزعاج معاليكم..أؤكد لكم شعوري بالندم الشديد لما سببته لكم من إزعاج..صدقني معاليكم أني لم أخطط كي أعطس بحضرة معاليكم..يجب أن تعلم معاليكم أني…"

ظهر الضيق على وجه الجنرال وهو يلوح بيده..قال: لعلك تمزح يا سيد.. ثم اختفى في الغرفة الداخلية. .. "أمزح!! لم أكن أمزح..الجنرال ..يجب أن يعرف أني لم أكن أمزح.. سأكتب له رسالة اعتذار.. لن أحضر إلى هنا ثانية..سوف يشنقني إن حضرت.." ..هكذا عاد تشيرفياكوف إلى بيته ثانية، لم يكتب رسالة إلى الجنرال، فكر وفكر وفكر لكنه لم يعرف ما الذي يجب عليه أن يكتبه..لا فائدة..يجب أن يذهب إلى الجنرال غدا ويشرح له الموضوع….

"بالأمس حضرت إلى هنا وأزعجت معاليكم" تمتم في حين اتجهت إليه نظرات الجنرال مستفهما..
"لكن صدقني معاليكم..لم أكن أمزح..كما فهمتم معاليكم..لقد حضرت كي أسترضي معاليكم لأني عطست بحضرتكم..أنا..أنا..لم أكن أمزح ..معاليكم…كيف أجرؤ على المزاح مع معاليكم..المزاح يعني عدم احترامي لمعاليكم..يعني عدم احترامي للأشخاص المحترمين..وذلك يعنـــ…"

-أغرب عن وجهي حالا.. صرخ الجنرال..وقد بدت ملامح الغضب والضيق على وجهه..
- مـ..مـ.. ماذا.. همس تشيرفياكوف وهو ينتفض من الرعب…
- أغرب عن وجهي.. أعاد الجنرال كلماته وهو يضرب الأرض بقدمه غاضبا.

بدا أن شيئا ما قد انكسر في نفس تشيرفياكوف..
تعثر باتجاه الباب..وخرج للشارع..
لم ير ولم يسمع شيئا..مشى بجانب الجدران..
وبلا شعور وجد نفسه في بيته..
تمدد على أريكته دون أن يخلع لباسه الرسمي ..
و……..مات.
.
.
النص الأصلي:
http://www.eldritchpress.org/ac/jr/006.htm
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس