مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-08-2005, 11:10   #1
عبدالواحد اليحيائي
كــاتـب
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عبدالواحد اليحيائي
 

قراءات.. حوارات.. مباحث في السرد

.
.
مجموعة أسرار علي حامد
للقاص السعودي فالح عبدالعزيز الصغير
القصة المختارة: احتقان

.
.
دلال… البنت الصغيرة التي كانت "تجوب" الحارة طولا وعرضا إختفت..
يا الله..صحيح..
نعم.
منذ متى؟
أول أمس..
يا ساتر..
لا أعلم..
يا حافظ..
وأخوها ناشي..؟
حاول الهرب مرة أخرى..
كيف؟!

في المرة الأولى ربطه والده وهدده بأن يعلقه في "المروحة" إذا كرر العملية..كررها.. هل يعلقه؟
مشغول باختفاء دلال وبمشاكلها الداخلية التي كبرت في الأيام الماضية.. "والجاثوم" الذي سببه احتقان كاد يقتله بعد منتصف الليل.
ضحك بصوت مرتفع..ورد بعنف:
بلا "جاثوم" بلا خرافات..العمليات بالمناظير وما زلت تؤمن بالخرافات؟!!
… …

لم تعد دلال.. الحارة تبحث عنها..(ناشي) يتابع الناس من سطح المنزل..لم يجد مكانا إلا السطح..
يسعى لمشاهدة الرؤوس التي تطل باستحياء من المواقع الاخرى..وتردد:
إذا حبتك عيني … … ما ضامك الدهر

حاول أن يفهم المعنى، لكن هاجس الربط والتعليق يقف حائلا أمامه للخروج بنتيجة تريح نفسيته المتعبة..وتقف لتمنعه من مصدر الصوت والاستماع له بشكل مختلف عن حديث العيون وإشارات الأيدي الخائفة..

مرت بخاطره علامة استفهام حائرة..دلال..وعلاقتها بالآخرين..لا.. ومن يمنعها من تلك التي ترفع رأسها وترمي بالكلمات..لا تعلم أمها عنها..
ووالدها..
لو علم لتحول "السطح" إلى مذبحة.
دلال أصغر من أن تمارس أدوار فتاة السطح..تهرب من البيت..بسبب ما تعاني منه..جاءت أمها تبحث عنها..كانت التهمة الأولى أنها اختفت عند أمها..هدد والدها الأم بالشكوى والذل..لم تأبه الأم لذلك التهديد..بحثت في مواقع تعتقد أنها تختفي فيها..عند الجيران..لا..أم حسن..ربما..

لم تتأكد أين غابت دلال..الوقت بعد الظهر..شبح دلال يعود..أسرعت الأم وحرارة الشمس تلسع قدميها..اعتقدت أن ابنتها تقابلها بحرارة..كان مجرد شبح مثل من يرى سرابا من بعيد ! ... انتهت.

وحوار..

- فعلا..أين ذهبت دلال؟!!
- لا أدري، وبالتأكيد لا أستطيع أن أسأل القاص.
- لعلها هربت مع أحد هؤلاء الذي تُقص عليهم القصة، أو لعلها تزوجت أحدهم، أو ربما تكون قتيلة في مكان ما، لعلها انتحرت.
- كلها احتمالات ممكنة، لكن لماذا من الضروري أن تعرفي أين ذهبت دلال؟!!
- لا أدري، لعله الفضول، فضول قارئة.
- ألم يشغلكِ التفكير في سبب اختفاء فتاة في مجتمع محافظ كالبيئة الخليجية (بيئة القصة)؟!!
- لا، لم يشغلني ربما لأني أفهم بعض هذه المعاناة.
- ولماذا أفترضت معاناة؟!!
- إذن لم هربت دلال؟!!
- ومن قال أنها هربت؟!!
- لحظة…آسفة لم أنتبه..اقصد لماذا اختفت؟!!
- نعود لسؤالي لم تختفي دلال في مجتمع خليجي؟!!
- المعاناة، الكبت، إغواء من فوق السطوح على الطريقة القديمة، متابعة المسلسلات المكسيكية لو كانت القصة حديثة..صراع أجيال..فهم خاطئ للحرية، هذا إذا افترضنا أن دلال اختفت بملء إرادتها…أو اختطفوها مثلا، أو لعلها كانت هازلة ثم تحول الأمر إلى جد لا هزل فيه.
- هل تعتقدين أن فتاة (تجوب الحارة طولا وعرضا) تعاني من الكبت أو تعاني من شكل آخر من الحرمان؟!!
- ممكن، هو كبت في البيت تفرغه بالـ(جوبان) في شوارع الحارة، لا تنس أن القاص لم يقل لنا هل كانت (تجوب) بعلم أهلها (أبوها تحديدا) أو دون علمه، تعرف لو كان أبي يعلقني أو أخي على المروحة كلما غضب على أحد منا لتركت له البيت فورا إلى بيت لا (أعلق) فيه كالشاة، نعم، أهرب كما فعل ناشي أخو دلال، هو بيت منهار تحل مشاكل أفراده بالهرب وحقوق المرأة فيه مهدرة تماما، لاحظ موقف الأب في القصة من الأم..
- كيف؟
- بدل أن يساهم مع الأم في البحث عن ابنته اكتفى بالتهديد (بالذل) والشكوى، هذا مثل صارخ على السلبية والفحولة الغبية التي تتسبب في المشكلة ثم تتخلى عن تقديم الحلول.
- لكن لا يوجد في القصة ما يشير إلى أن الأب تسبب في المشكلة؟
- يا عزيزي الفن إيحاء، أب يحل مشكلة هرب أبنائه بتعليقهم على المراوح ويهدد الأم بالذل، هل تعتقد أنه أب فاضل ولا يخلق المشاكل؟!! ثم ألا يكفي أنه أب لهذه الفتاة البائسة ليكون سببا في مشكلتها؟!!، على فكرة ما معنى (جاثوم)؟!!
- أعتقد أنها خرافه مؤداها أن الجان يقبع على صدور بعض الناس في ليالي الصيف الطويلة مما قد يتسبب في موتهم مخنوقين.
- أعوذ بالله، ليته جلس على صدر أبي دلال وأراحنا منه.
- تعرفين، ضحكت حين قرأت أن دلال لا تجيد تمثيل دور فتاة السطح؟ هل يحتاج دور الفتاة المحبة إلى إجادة؟
- وهل يوجد دور لا يحتاج إلى إجادة؟!! هل أذكرك بنظرية الطبع والتطبع؟، لعل القاص يقصد أن دور العاشقة الولهانة الباحثة عن قيس بن الملوح فوق السطح لم يكن يناسبها، خاصة أنها كانت تستطيع أن تجد قيسا هذا في شوارع الحارة حيث كانت تجوب، وما يدريك لعلها وجدته فتحولت إلى ليلى العامرية.
- هل هي دعوة مقنعة إلى الرذيلة إذن؟
- أين؟!!
- في القصة.
- لا طبعا، يفهم القارئ ذلك حين يكون هو سيئ النوايا، أما حين يكون حسنها فيفهم أن القصة في مجملها دعوة إلى خلق أجواء حميمة في البيئة العائلية، أجواء لا تحوج فردا منها إلى الهرب المعنوي أو الحسي بحثا عن حل مجهول لمشكلته، ثم هي تصوير لبيئة محلية نعرفها معا تمام المعرفة..هل تأذن لي بسؤال؟!!
- تفضلي.
- ألم يهددك أبوك بتعليقك على مروحة المنزل ذات يوم؟!!
- نعم…..كيف الحال؟!!..
.
.

عبدالواحد اليحيائي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس