مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 20-05-2005, 20:43   #1
سعد الدوسري
شـــاعــر
 

آخـــــر بــــــدوي!









هو شاعر ظاهره!
قدره ألاّ يمرّ في تاريخ الشعر مرور الكرام
قدره أن يكون علما ً من أعلامه رغما ً عن الإعلام
وتعثّر الروايه ووسائل الإتصال!

أبى الشعر أن يخذله أو أن يغيّبه التاريخ المُهمل غالبا ً
عندما يتعلّق الأمر بـ التراث الشعري الشعبي وشعراءه!

غيّر خارطة الشعر آنذاك وصدّره في أبهى صوره
بـ عفويّته وصدقه وأرتبط ببيئته الصحراويه وماتحيط به
وبالذات إبله " الأربع والعشرين " والتي قدّر الله لها مرض
" الهيام " فتركت معشوقها يصارع العجز والشلل في مشهد
مُحزن يجسّد إرتباطه الروحاني بها!






هو
عبدالله بن محمد بن خزيم من قبيلة الرجبان من الدواسر
الملقب بـ الدندان لقوله :

إن دنـدنـوا قـمـت أنـا ألـعـب لـعـب دنـدانـي
..... وإن غـطـرفـوا بـالـقـوارع قـمـت أقـدّيـها !






ألف عنه المستشرق الهولندي " مارشيل كوبر شوك "
كتاب " البدوي الأخير " وللعلم لم يكن الكتاب حصرا ً على الدندان
بل أستعرض فيه تاريخ وشعراء وحياة قبيلة عتيبه وشمّر والدواسر
وشاعرهم الدندان وهو ماكان يقصد به " البدوي الأخير " !





ولد الدندان في عام 1335 هجري تقريبا ً
وعاش طوال حياته بلا زواج ويُقال بإنه في بداية حياته
خطب من أحبّها فعارضوه أهلها فأضرب عن الزواج ورهن حياته
لشعره ولإبله معشوقته الثانيه والأخيره!







وقيل عن الدندان وهو المعروف بصدق الروايه إنه خاطب الجن
يقول أنه ذات يوم عند جبل " جنيّح " في منطقه يُقال لها " السره "
وكان متجها ً شمالا ً قابله سبعة عشر جنيا ً متجهين جنوبا وقالوا له
سبعة عشر بيتا ً كل واحد منهم ينشد بيتا ً حتى تكوّنت قصيده كامله
ولكن للأسف لم يحفظ منها الدندان سوى بيتان هما :




هـجـنـنا مـن قـطـعـهن الـهـوج عـوج
..... مـن مـطـاواهـا تـخـاتـيـخ الـريــاد


كـن مـذارعـهـا مـلـحّـات الـفـنـود
..... يـوم تـاطـى فـي رقـاريـق الـحـمـاد!





ويُقال أن الجن خرجت عليه ونهته عن قول الشعر
فلعل شياطين الشعر غارت من جزالة شعره وجودته!









يقول الدندان ويهو يستعرض قوّة شعره ويفخر
بما حباه الله من جزاله :



أنـا ويـن أدوّر لـي مـع ذا الـلـسـان لـسـان
....... يـعـاون لـسـانـي لا يـبـيـن الـخـلـل فـيـّـه


كـلـيـت الـسـمـا وأرضـه ولا وقّـت الـلـحيـان
....... مـع الـكـون كـلـه مـا يـجـي لـقـمـة ٍ لـيّـه !


شـربـت الـبـحـور وجـيـت مـتـغانـم ٍ ضـميـان
........ جـمـيـع الـمـشـارب مـا تـجـي رشـفـة ٍ لـيّـه


سـحـنـت الـجـبـال إدوا ولا تـكـحـل الـبـرمـان
........ وجـمـيـع الـشـجـر مـا مـيـّـل الـعـين هـاذيّـه


لـبـسـت الـنـهـار ثـويـب خـام ٍ علـى الأمـتـان
......... وسـواد الـلـيـالـي لـي بـشـوت ٍ شـمـالـيّـه


وتـراني دخـيـل الله ولـيّـي عـظـيـم الـشـان
......... وبـاقـي الـخـلايـق مـالهـم عـنـدي إدعـيّـه!


غَفر الله له!










ويقول في العاطفه وهو الذي ملأ قلبه الحزن
فعزفه نغما ً يُطرب الآذان ويسحر الألباب!



أبـديـت ما كـنّـيـت بـيـن الـسـراجـيـف
........... وقـامـت تـهـشّ الـمـا الـعـيـون الـحـزانـي!


يـا مـا بـصدري خـافـي ٍ مابـعـد شـيـف
.......... وإن جـيـت أبـكنـا كـامـل الـحـزن جـانـي


عـلـيـك يـا الـي لـه ثـمـان ٍ مـراهـيـف
.......... فـي ذبـل ٍ مـثـل الـحـريـر الـعـمـانـي


مـن مـنـوة الـي نـشـّف الـريـق تـنـشـيـف
.......... تـبـرد لـواهـيـب الـمـغـلّ الـظـمـانـي


مـضـنون عـيـني حبّـه أخـلا الـمـوالـيف
......... بـين الـبـنـي كـنـه سـهـيـل الـيـمـاني


كامـل وصـوف ٍ مـا بـعـدهـا تـواصـيـف
......... إمـنـفـل ٍ بـيـن الـعـذارى الـزيـانـي


عـرفي وعـرفـه شـرّف الحـب تـشـريـف
......... حـب ٍ على طـول الـدهـر مـا يـهـانـي!










ويقول ما يدل على حكمته وإيمانه وسِعة أفقه :


الإنـسـان لـو يـشـك ما جـا بـمـا جـيـب
....... يـذكـر ولـيـّـه فـي الـلـيـالـي الـمـقـاديـم


ويـصـبـر عـلى مـا جـا مـن الله لـيـا صـيـب
...... ويـقـنع بـحـكـم الله ويـرضـى الـمـقـاسـيـم


والله ومـر فـي كـل شـي ٍ تـسـابـيـب
....... والـنـقـص فـي مـال الـخـلايـق تـعـالـيـم!









ويحكي " شوك " في كتابه عن حياة هذا الشاعر الكبير
وقصائده الناريه التي أججت مشاعر قبيلته " الدواسر "
في أزمنه مختلفه عندما كانت الحروب بين القبائل لا تهدأ
وتثور لأصغر المسببات!




لا عـوى ذيـب مـن الـهـضـب لـجّ ألـفيـن ذيـب
........ كـلـبـوهـا هـضـبـهـا ورث جـدّان ٍ لـهــا


كحـلـهـا الـبـارود والـصـلـف والـراي الـصـليـب
...... الـسـلال الـخـضـر يـا نـا فـدا مـن شـلـهــا


نـوم عـيـنـي فـعـلـكم يـا مـوطـيّـة الـحـريـب
...... يـا رجـال الـحـرب يـا أهـل الـمراجـل كـلـهـا!











ومن الرويات في كتاب "شوك "
تلك الروايه عن الدندان في قوله :


عندما ذهبت إلى الحج إلى مكه وكنت أهمّ بدخول بوابة
الحرم المكي حيث نادت علي إمرأه وطلبت مني أن آتي
وأجلس بجانبها ولكن قصدها كان شريفا ً فقلت :




حـسـبـي عـلى الـي دعـانـي لـيـن نـابـيـتـه
...... بـين الـعَـمَـد والـمـقـام وبـيـن الأركـانـي!


فـوالله لا رحـت أدوّر لــه ولا جــيــتـه
...... وأغـضـيت مـالـي بـشـوفـه كـان وأغـوانـي


مـدهـالـهم لا سـقـاه الـوبـل مـرّيـتـه
....... مـتـشـالـي ٍ لـيـن جـيـتـه والـبـلا جـانـي


يـا مـا بـقـلـبـي عـلـيـهم مـيـر كـنـيـتـه
....... مـن ذلـتـي يـفـتـري بـه كـل مـظـانـي


لـولا الـحيـا كـان حـمـل الـثـوب شـقـيـتـه
....... وأمـشـي مـع الـي يـبـون الـسـتـر عـريـانـي!


مـاعـاد فـ العـمـر مـسـيـار ٍ عـلى بـيـتـه
....... ومـشـاهـده دام مـوت الـنـاس مـا جـانـي




ويصف " شوك " الموقف بعد الإلقاء
....... إختتم الشاعر إلقاءه قائلا ً : سلامتكم!
فصاح أحد الضيوف
ها يا الدندان ليس هذا كل شئ!
هُناك بيت آخر .....
قال الدندان : كلا ليس هناك شئ آخر!
....... بلى هناك هيّا لنسمعها!
" نسيت " هكذا زعم الشاعر ....
وأخيرا ً رضخ الدندان للضغط وألقى البيت المفقود مقهقها ً:




يـا لـيـتـنـي يـوم جـيـتـه كـان حـبـيـتـه
....... حـطـيـت شـقـر الـجـدايـل فـوق الأمـتـانـي!










ومن الطرائف التي يسردها " شوك " في كتابه عن الدندان :

كنت أسير مفرقعا ً بسرعة 70 كيلو مترا ًفي الساعة في سيارة الامارة البيك أب
المستهلكة من طراز هيلاكس خارج المنطقة المبنية مباشرة حيث تعيّن علي فجأة
أن أبطئ السرعة لأن سيارة من طراز سيارتي نفسه ومتضعضعة أكثر كانت تنحدر
إلى الطريق نافثة سحب دخان سوداء وبالرغم أن السيارة كانت تزحف بسرعة لا تزيد على 40
كيلو مترا ً في الساعة فإنها كانت تتأرجح بحدة بين الجانب الشمالي من الطريق وحافته
وكأن سائقا مخموراً بشدة وراء المقود قمت بمناورة لتجاوزها ونظرت إلى جانبي فرأيت
رأس الدندان الوقور بشيخوخته هادئا غير مبال فوق المقود توقفت عند الحافة ونزلت ثم أشرت له أن يتوقف
أدخلت رأسي في النافذة وسألت: لماذا لا تأخذ سيارتك الكراج انها تحرق الزيت ألا ترى الدخان؟
أجاب: إيه ليس لدي الا القليل من المال.. دعها تدخن!









وهذه قصيده له مسموعه














توفّي الدندان في عام 1418 هجري تقريبا ً ...
وترجمت قصائده إلى الهولنديه!


رحل ولم يترك وراءه سوى سمعه شعريّه كفيله بإن تخلّد
إسمه أبد الدهر ...









رحمه الله رحمه واسعه!







محبكم
سعد ..!




التوقيع:
.
سعد الدوسري غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس