[الجازي]

تسأليني ياسيدتي مااذا كنت وحيد الفكر والروح , فبما ياترى أجيبك ؟

أشعر أن وحدتي ليست بأشد ولا بأعمق من وحده غيري من الناس .

كلنا وحيد منفرد . كلنا سرخفي

مالفرق بين مستوحد ومستوحد سوى أن الأول يتكلم عن وحدته

والثاني يظل صامتاً . وقد يكون في الكلام بعض الراحه وقد يكون في

الصمت بعض الفضيله .

لاأدري ياسيدتي ماأذا كانت وحدتي بما فيها من الكآبه مظهراً " لهوى بعض شخصياتي "
أو برهاناً على عدم وجود شخصية في هذا الكائن الذي أدعوه أنا ,لاأدري , ولكن إذا كانت الوحده عنوان الضعف فأنا بدون شك أضعف الناس ..

سيدتي ..

تعلمين أن ميلنا إلى سكب مافي أرواحنا في كؤوس الآخرين لأشد بما لايقاس من الرغبه في الأرتواء مما يسكبه الآخرون في كؤوسنا .. تلك صفه لاتخلو من الغرور في بعض الأحيان ولكنها طبيعيه ..

ماأحسن قولك ياميّ " إن كربة الوحدة وتباريحها تشتد وسط الجماهير "

هذه حقيقه أوليه .. فكم مرةً يجلس الواحد بين أترابه ومريديه ويحدثهم ويجادلهم ويشاركهم بالأقوال والأعمال - يفعل ذلك بأخلاص ومسره , ولكن فعله لايتعدى حدود الذات المقتبسه من عالم المظهر , أ ما ذاته الأخرى , ذاته الخفيه , فتبقى ساكنه مستوحده في عالم المصدر .

الناس وأنا منهم ميّالون الى الدخان والرماد , أما النار فيخافونها لأنها تبهر العين وتحرق الأصابع .. الناس .. وأنا منهم , منصرفون إلى درس ثنايا قشور بعضهم بعضاً , أما اللباب فيتركونه وشأنه لأنه لايقع تحت حواسهم ..

وكيف يستطيع اللباب ان يظهر إلاّ بكسر القشره ؟

وليست من الأمور الهيّنه أن يمزّق المرء قلبه ليرى الناس مكنونات قلبه ..

وهذه هي الوحده ياسيدتي .. وهذه هي الكآبه ..

كنت أتوهم أن الروح المجنحه لاتسجن في قفص من الألفاظ ..

وكنت أتوهم أن الضباب لايتحجّر ..

وكنت أتوهم وأتوهم وأجد الراحه والطمأنينه في أوهامي ..

حتى إذا طلع الفجر وأستيقظت وجدتني جالساً على رابيه من رماد

وفي يدي قصبه مرضوضه وعلى رأسي أكليل من الشوك ..

لابأس فأنا المخطىء يا ميّ .

فكرت في العوده إلى الشرق الخريف الآتي .. ولكن بعد قليل من التفكير وجدت أن الغربه بين الغرباء أهون من الغربه بين أبناء وبنات أمي ..أنا لست مما يميلون للهيّن .. ولكن القنوط فنون كالجنون ..
تقبلي تحيتي وأحسن تمنياتي والله يحفظك


المخلص
جبران خليل جبران