مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 28-11-2004, 15:07   #1
يعرُب
 

مازلت صغيرا .. وتغيّبي فيه ريبة !!





مازلت صغيرا .. وتغيّبي فيه ريبة !!

فقط كانت لمحات سريعة متبادلة بيننا ظاهرها أننا لا نعرف بعضا
لكن كل شخص متأكد انه يعرف الآخر
من جهته لا ادري لماذا حاول تجاهلي ..
ربما تنكر متعمدا بعدم التركيز والنظر لي بدقة ..
حاول أن يوهمني انه لم ينظر لي بتمعن حتى لا يبادرني بالسلام أو التحية
بعد أن غادر المكان الذي جمعنا للحظات ..

انتقلت أنا إلى ماض بعيد وذكريات طفولة لا تحمل البراءة
بقدر ما كانت تبحث عن المتعة
في الوقت نفسه لا تعرف ما هي المتعة التي تبحث عنها أو كانت تنشدها !!

وفي طرقات المدينة المظلمة والساطعة
أتنقل وأنا احمل معي ما يجعلني أسير بدون توقف لساعات
أسير ولا اعلم أين سأقف !!

ذهبت مع خيالي وبصحبة ذكرياتي أجوب الشوارع والأزقة وكأن الكون بدا لي ساكنا
هدوء عجيب لم احصل عليه من قبل ..
طرقات بدت لي خالية من المارة ..
توقفت الحركة في تلك اللحظات ورجعت إلى الخلف سنين
اسمع طرق صبي على الباب يبحث عن مخرج
ينادي لكي يفتح له احد الباب الذي أغلق عليه
بدت صرخاته ترتفع ومعها يشتد ضربه على الباب

تطابقت صورة الصبي مع الصورة التي رايتها قبل لحظات ..
فقط ملامح السنين غيرت في وجه الغلام البراءة والطفولة

عدت إلى ضوضاء المدينة ..
طرقات مزدحمة .. أنوار حمراء وخضراء تسيّر حياة الناس
أصوت أبواق السيارات أزعجتني كأني اسمعها لأول مرة
أكاد اختنق من هذا الزحام الذي وجدت نفسي فيه غريبا
وجدت نفسي فيه واقع كأنها المرة الأولى ..

رسم لوحتي تلك يحتاج إلى هدوء وتركيز
به أستطيع رسم ملامح جيدة لذلك الجسد
ورسم خطوط تتناسب وتنساق مع تفاصيل تلك الأحداث
فرشاتي ستكون أصابعي .. وحبري خيالاتي أحاول نثرها
فوق سطح مياه بركة راكدة مليئة بالطحالب .. هو وجه لوحتي

سأجد إبداعي بين تلك المياه وملامسة أصابعي لها ..
صفاء منظر لوحتي وحصولي على صورة واضحة غير مهتزة يتوقف
على مدى ما لدي من إحساس بملامستي للماء
يجب أن أكون أكثر شفافية واحساسيا ..
يجب أن تكون ملامستي دقيقة حتى لا تكون لدي لوحة مهتزة
وذات أبعاد لا أستطيع تحديد ملامح الأشكال فيها ..

حزينة لوحتي ..
خلفيتها رُسمت من قبل .. رسمتها الطبيعة رسمتها الأيام والأزمان الميتة..
لعلها تحمل بين ألوان أحبارها وخطوطها أحزانا تفوق تعرجات
توحي بوجود لحظات سعيدة كانت هناك

كلما تعمقت النظر إلى خلفية لوحتي وجدت أن سوادها يشتد أكثر ..
تراكمات الظلمة محيطة من كل مكان
يتوقف النظر ساكنا في الظلمة عندما يصطدم بقاع تلك البركة
عاش معها سنوات عديدة ليس لديه القدرة على أن يحصيها
ربما تكون قليلة والغالب أنها عديدة .. لا اعلم !!
ولكن تراكم الظلمة جعلها صعبة وجعلها تأخذ وقت اكبر مما تحتاجه

خلفية لوحتي تنتهي بظلمة ليس لها نهاية ابحث فيها عن نور
أستطيع أن أواصل فيه سيري
أو الحصول على لوحة قد يرى البعض أن فيها أمل
أو أن بوادر أمل مفقودة بين ألوانها التي امتزجت مع بعضها البعض ..
ربما أجد من يستطيع إخراجها من ظلمات تلك اللوحة ..

قوة طرق ذلك الصبي وصراخه بعثر على هدوئي وافقدني تركيزي
ارتجفت أصابعي واهتزت لامست سطح المياه الراكدة بعنف
تشتتت صورتي التي رسمتها .. تكسرت على سطح المياه
أخذتها التّموّجات معها لتصطدم بجدران بركة الأحزان
تعود باتجاهي وهي ممسوحة
لا تحمل أي ملامح لصورة أو رسمه خطتها يدي

مياه راكدة مليئة بالديان والحشرات نهشت أصابعي وجرحتها ..
قطرات دمي أصبحت تائهة في مياه البركة تبحث عن استقرار
تثبت فيه وتركد مثل كل شيء حولها ..
أجد صعوبة في محاولة ثانية لرسم مماثل للوحتي السابقة التي مُسحت ..
مهما حاولت سأجدها نسخة مقلدة وليست كالأصل


تنظر لي وعلامات طلب الرحيل واضحة
صرخات الصبي أزعجتها ..
عملت بمكر من اجل متعتها
خططت ودبرت .. فكرت في كل شيء

أحضرتني هنا وفارق السن بيننا واضح كان لصالحها
سيطرت على الوضع ..
نفذت كل رغباتها .. تلامست صدورنا وتشابكت الضلوع
لتحدث قلبي بحرية عن معاناة وأحزان ترغب في إخراجها

لم اصدق ما تقول ..

أدركت أن جنونها قادها لتحتجز الصبي في غرفة
وأنا وهي في أخرى
شغلته ببعض الملهيات ..
وشغلتني ببعض الملذات
تذوقتها وتجرعتها .. هي تقول أن فيها متعة !!
سأبحث عنها ربما أجدها في يوم من الأيام
مرارة شديدة .. قسوة .. تسلط
قد نجد بينها متعة
هل نحتاج أن نبحث ؟؟

أما الآن فانا أنفذ رغبات لم ابحث عنها
أحاول أن أرضيها ..
أدركت أني لابد أن أرضيها
حتى تحصل لوحتي على معنى يمكنني فيما بعد
أن أشاهده من ثقب تجتاحه خطوط الضوء

علامات حصولها على الرضا لا تبدوا واضحة
لعدم تجاوبي بالشكل الذي تريد

فعلت ما أعرف !!

بعثر تركيزي صرخات الصبي من أول مرة
لم يزعجها في بادئ الأمر كما هو حالها مع اخره
ربما أنها انتهت ووصلت إلى حد قد يرضيها
في وقتها الحاضر ..

لم تعطني ما كنت اسمع عنه
أو شيء كنت قد تخيلت حدوثه
تركت لي ساحة اركض فيها بخيولي
وأعطتني مساحة للهمس
لا اعلم بماذا كنت اهمس ولكني أتذكر أني كنت اهمس
مهما يكن .. فانا قد وجدت متعة في ذلك الهمس
أكثر من أي شيء آخر
وعدتني إذا وجدتني قد التزمت الصمت
أنها ستعلمني كيف ارمي سهامي

عيونها تقول ارحل الآن
نعم سأرحل ..
يجب أن تطلق الصبي من سجنه
لقد طال سجنه وطال غيابي معها

رحلت ..
وأنا لا اعلم على ماذا حصلت
ولكني متأكد أن ما حصلت عليه يخفف
شعوري بألم عقاب ينتظرني ..
مازلت صغيرا .. وتغيّبي فيه ريبة


بيدي حجر .. ؟؟
آن الأوان لرمية على لوحتي المرسومة فوق سطح مياه البركة
عندها تتهشم خيالاتي وذكرياتي
تحملها التّموّجات لتقذف بها بعنف في جدران
نطقت بالصمت منذ سنين
قساوتها تمنعها من تركها تعود لتفتح لي وجه صفحة جديدة
فوق الماء أمارس هوايتي في رسم لوحات حياتي
فقدت لوحتي على جدران بركة حزينة
مليئة بالطحالب

ولكني متأكد أن هناك نسخة من هذه الصورة
قد استقرت في قاع تلك البركة
تعيش بين الطحالب وتشاهدها الديدان والحشرات
ربما لا تعلم ما تكون !!
ولكنها تعلم أني مررت من هنا



أنا

يعرُب

يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس