وطـــن
هل كنت سأختار تغيير قدري منذ البدايات ، قبل ثلاثين سنة ، لو أني علمتُ أنه سيكتب عليهم الذل والمسكنة ، أو أني قمت بإجهاضهم قبل أن يتكالب عليهم أُناس هذا الزمان وأنظمته العتيدة ، الصادمة (البيروقراطية) كما يطلقون عليها - ربما - وحتى قيام الساعة.! وكأي أم تمنيت أن أراهم يكبرون أمامي ويصنعون حاضرهم ويصعدون أعلى المراتب. ظننت أن كوني مواطنة سعودية ، سيكفل لي حياة كريمة و أبناء يسرني النظر إلى تاريخهم المشرق بعد كدٍّ وجهد وتعب يليق بما يعملون من أجله. ولكن لم أكن أعلم أن جنسية زوجي الغير سعودي سوف تكون القشة التي قصمت ظهر أحلامهم. بالأمس جاءني عادل - الذي لم يكن عادلا أبدا - و صرخ بي: انظري لهذه (الملعونة) جارتنا أم عبدالرحمن الغير مسلمة أو كما يسمونها ( كتابية ).. لم تكمل سنتي زواج من رجل سعودي ، إلا وحصلت هي وأبناءها على الجنسية ، و نحن، ثلاثون سنة ، ومازلنا أبناء غير شرعيين لوطن يعاملنا على أن أمنا قاصر و أبونا وافد،! عندما يعق الوطن أبناءه يجب عليهم أن يبادلوه العقوق وينغّصوا عيشه، وأنت امرأة يا أمي في بلد عربي، لا حول لكِ ولا قوة. الوطن لا يعترف بآدميتك و أحقية أبنائك ، لأنك امرأة ، لأنك امرأة ! كررها أكثر من مرة : لأنك امرأة.! ثلاثون سنة يا أمي و أنت ترفعين لهذا وذاك التماساً ، ترجينهم أن يرحموا أبناءك ، تكيلين المديح لمقام هذا ، وتسبغين الحمد لسيادة ذلك الآخر ، والختام: أبناء لا يعرفون ما هو مصيرهم ، فقط أبناء لأم سعودية وأب من جنسية ( لاوندية ) أخذ يضحك بشكل هيستيري، عذراً يا أمي المصون ، تزوج منك أبي في زمن لم يكن يعرف التفرقة ولا يؤمن بالأوراق ، التي أصبحت كل شيء ، تقيُّ و زاهد ، إذن قولي له ادعُ ربك بأن يمنح أبناءك جنسية وطن ولدوا فيه وترعرعوا بين أحضانه ثلاثين عاما ، ومازال أبناء بناتِه غير شرعيين مع أن أمهم سعودية و أبوها سعودي.! النظام لا يسمح.! نعم النظام لا يسمح عندما يتعلق الأمر بامرأة ، ويرحّب النظام عندما يكون المعني رجلا.! أتعلمين يا أمي.. هناك في المدن المقدسة لافتات كُتب عليها: لغير المسلمين ، أقترح أن يضيفوا لافتات أخرى: لغير السعوديين ( ضحك بسخرية ) وضعت يدي على فمه وقلت له بانكسار: اصمت يا عاق. أكمل دون أن يعبأ .. أي نظام هذا الذي يلقي بأبنائه خارج أسوار الإنسانية، حتى الأصدقاء يلمزوننا بتخلفنا كوننا غير سعوديين، ورجل الأمن يعاملنا باحتقار لو صادف و اسوقفتني نقطة تفتيش .. فقط لأني أحمل الدفتر الأخضر ؛ يجيز له ذلك أن يتحدث معي بتعالٍ.! مسكين.. لا يعلم أن أمي سعودية ( قهقه بشكل مستفز ..) ثلاثون عاما و أم سعودية ، والنظام لا يسمح .! اذهبي قولي لهم أن لكِ حقوقاً واطلبيهم العدل ، صدقيني سيسخرون منكِ ويماطلونك، فأنتِ امرأة بمعنى قاصر لا حقوق لكِ ، الصمت أوجب الحقوق عليكِ.! كفى كفى ، أصمت عليك اللعنة ! لأول مرة أصرخ عليه و أشمته على هذا الوجه : أخرج يا ملعون ، أنت ابن عاق، ليتني لم ألدك ، ليتني ألقيت بك في أحدى المجاري ، قبل أن تتطاول عليّ وعلى وطني بهذا السوء الذي بصقه فوك .. ليتني . . . قاطعني : وطنك! أنتِ قلتِها : وطنك؟ قولي لوطنك -أنتِ- أن يعترف أولا بإنسانيتك وحقوقك وأبنائك المشرّدين، ثم ارفعي رأسك وقولي وطني..! هأ ، قالت وطني.! غني يا أمي واصدحي بـ: وطني الحبيب وهل أحب سواه .. وارقصي معي قومي .. أخذ يشدني من يدي .. هيّا قومي . لقد اختلط عقل ابني أخذ يبكي ، ويلثم قدمي، ويشهق بـ: سامحيني يا أمي أرجوك قام مسرعاً وغادر المنزل ، وأنا أصرخ أرجوه أن يعود : عادل .. عادل عاااا .. |
رد : وطـــن
عبدالإله الأنصاري كاتب وقاص على مستوى عال جداً في صياغة الفكره بأسلوب مقنع وجميل وممتع أتحفنا بابداعك فمن امثالكم نتعلم tsh6 |
رد : وطـــن
|
الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +4.
الوقت الان » 04:37. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يكتب في الموقع يعتبر حقوق محفوظة لموقع شعبيات- شبكة الاقلاع