شعبيات

شعبيات (http://www.sh3byat.com/vb//index.php)
-   ذاكرة العرب (http://www.sh3byat.com/vb//forumdisplay.php?f=96)
-   -   قصة بعنوان :الرحيل (http://www.sh3byat.com/vb//showthread.php?t=14564)

فيصل الزوايدي 09-07-2007 12:51

قصة بعنوان :الرحيل
 
الرحـيــلُ ..

يا الصابرونَ على الـهمِّ ، ضاقَت عِندَ العُمر أُمنِياتـي ، و ذَاقَت نَفسي وَجَعَ الفَجائِعِ ..
من جَنوبٍ كان الرحيلُ يومًا .. باردًا يومًا .. لكن لهيبًا ما يلفحُ وَجهـي ، و شتاتٌ مُبعثَرٌ مِني تعبثُ بِهِ رياحٌ شتى ، تقفُ أُمي عند عتبةِ البابِ و بيدها إناءُ ماءٍ لِتَصبه ورائي حتـى أعودَ إليها ، و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر .. لَـم تَقُل شيئًا لكن تـمتمات تصدرُ مُبهمةً عن شَفَتَيْها ، خـمنت أنـها أدعيةٌ بالـحفظِ و العودةِ .. أخي الصغير واقـفٌ حذوها بقميصهِ الـمتهدلِ و إصبعه تعبثُ بِأنفِهِ ، ينظرُ بغرابةٍ إلينا ، فهو لا يَـعلم بعدُ معنـى الرحيلِ .. مِنَ النافذةِ الـخشبية الزرقاء تُطل أختي و هـي تُلقي بيـن الـحين و الآخر بنظراتٍ جزعةٍ إلى داخلِ الغرفة ، هنالك أبـي على فراشٍ سقيمًا ، مرضٌ داهـمَه فلازَمَهُ فأقعَدَهُ .. تـحسَّنت حالُــه قبلَ يومين فأخبرتُه بـموعدِ الرحيل ، لَـم يقُل شيئًا لكني أحسستُ في صمتهِ الرهيبِ توسلا بالبقاءِ .. و مِن عَينَيْهِ اللتين تـهدَّلت عليهما الأجفان صَرَخَ استجداءٌ مزلزلٌُ بعَدَمِ الرحيلِ .. و لكن أنّى لـي ذلكَ و لَـم أبلُغ فرصة َ السـفرِ هَذِهِ إلا بعناءٍ قد لا أستطيعُه ثانيةً.. كذلك الـحصولُ على تأشيرةِ سفرٍ إلـى البلاد التي أقصدُ ليس متيسرًا دومًـا .. و يـتَعَثَّرُ تدفق الـدم عَبرَ الشرايين فأدركُ أن اِنـخِسافَ الأرضِ بـمَن عليها ليس دائمًـا أشدَّ الـمَصائِبِ ..
ارتفع صوتُ مُـحَرِّكِ السيارةِ الـمتوقفةِ أمامَ البـيت ، فقد ضغطَ السائقُ على دَواسةِ البنزين لِيَستَحِثَّني ، بابُ العربةِ مفتوحٌ يطلُبُني إلـى حياةٍ جديدةٍ .. حياة رسـمَتها أحلامٌ و أوهامٌ .. هنالك بعيدًا خلفَ سفرٍ طويلٍ إلـى أرضِ الوُجوهِ الشقراء و الـمالِ الوفير و الـمباهجِ .. ينفتحُ بـهدوءٍ بابُ منزلٍ مُـجاورٍ تـخرجُ مِنه فتاةٌ اتفقَت عائلتان يومًا على تزويـجي مِنها فهي ابنةُ خالـي .. لـم تَكُن الفتاةُ قبيحةً حتى أرفضَها زوجـةً بل على النقيض مِن ذلك كانت من ذوات الـحُسنِ خاصةً مَعَ ابتسامةٍ ساذجةٍ تُذكِّـرنـي كثيرًا بابتسامةِ أبيها الطيبِ .. لكني كُنتُ أرفُضُ ذلكَ الارتباطَ الذي يَشُدُّنـي إلى حياةِ البُؤس هنـا، تـمسَحُ أمي أنفَها بِطَرَفِ ردائِها و أَلـحَظُ غــيابَ أختي عن النافذةِ . يُصبِحُ التقاطُ الـهواءِ إلى صدري عمليةً أكثرَ صعوبةً ، تذَكَّرتُ كلامَ أبـي الكثير عن كَونـي رجلَ الدارِ بعدَه فكنت أُجيبُه بأن أدعوَ له بطولِ العُمرِ فيُجيبُنـي : يَطولُ العُمرُ أو يَقصُر فلابد للإنسانِ أن يُقبَـر .. تداخَلَت الصورُ أمامي مِن صبـيٍّ أسـمرَ يَلهو عند مَشارِف الصحراء إلـى شُقرِ الوجوهِ فـي بِلادٍ ثلجيةٍ و اختلطت الألوانُ فـي مزيجٍ غريبٍ ، أفقـدُ كلامًا كثيرًا كان مِنَ الـمُمكِنِ قولـه فـي هذا الـمقامِ ، فلا أجِـد مـا أقول فأصمتُ، لـم يَكُن للحظةِ و لا للزمنِ غـير معنى واحدٍ مُـختَلفٍ لا يعرِفُهُ الساعاتِِيّون .. و أخشى انفجارًا بداخلي فأُلقي حَقيبَتي الصغيرة على الـمقعدِ الـخَلفي و أهُـمُّ بإلقاءِ نفسي داخلَ السيارةِ و لَكن..
يسقُطُ إناءُ مـاءِ على الأرض فقد كان ولدي الصغيرُ قد أوقع قدحًـا من يَدَيْهِ .. تـمامًا مثلما سَقَطَ إناءُ الـماءِ من يَدَيْ أمي يومَها عندما ارتفَعَ صوتُ أختي مِن النافذةِ الخشبيةِ الـزرقاء بصيحةٍ مـجروحَةٍ تُعلِنُ وقوعَ الفادحةِ ..
تنحنـي زوجتي تُلَمْلِمُ شظايا القَدَحِ و تبتَسِمُ بطيبةٍ ساذجةٍ تُذَكِّرُنـي بـخالـي الطيب.

فيــــصل الزوايـــــــدي
faycalmed@yahoo.fr

عنود 10-07-2007 03:53

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 


شكرا على تسجيلك أخي فيصل في المنتدى
وشكرا على مشاركتك في هذا القسم

سأعود لك


فوزي المطرفي 09-08-2007 01:55

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 


.


قصة حياتية تأخذنا إلى مدارج الأيام التي تجدد العهد بالحياة.
حميمية جدًا يافيصل,
عشتها حلمًا وحقيقة.!


*

تحية مشرقة.

tsh6

ريان 27-11-2007 06:13

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
يا قسى ذاك الرحيل ومره

شكرا بحجم المجره

فيصل الزوايدي 05-12-2007 18:17

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عنود (مشاركة 231736)


شكرا على تسجيلك أخي فيصل في المنتدى
وشكرا على مشاركتك في هذا القسم

سأعود لك


أخت عنود .. اعتذر بشدة عن هذا التاخر الكبير في الرد .. انا سعيد بتواجدي في شعبيات رغم عدم تمكني من الدخول مدة طويلة .. و انا في انتظار العودة التي تاخر ايضا
دمت في خير
مع المودة

فيصل الزوايدي 05-12-2007 18:18

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة فوزي المطرفي (مشاركة 233240)


.


قصة حياتية تأخذنا إلى مدارج الأيام التي تجدد العهد بالحياة.
حميمية جدًا يافيصل,
عشتها حلمًا وحقيقة.!


*

تحية مشرقة.

tsh6

أخي فوزي اسعدني تفاعلك الحميمي مع القصة و سيسعدني دوام التواصل
دمت في خير
مع المودة

فيصل الزوايدي 05-12-2007 18:20

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ريان (مشاركة 237820)
يا قسى ذاك الرحيل ومره

شكرا بحجم المجره

أخي ريان انا ممتن لهذه التحية الشعرية الرائعة و سعيد بالتواصل معك
دمت في خير

فيصل الزوايدي 05-12-2007 18:21

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
اود الاعتذار من الجميع بسبب هذا الغياب الطويل و ان شاء الله لن يتكرر
مع المودة

عنود 06-01-2008 10:25

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 


جميلة جدا
عشت معها كل تفاصيلها
وبإنتظار الجديد دائما ايها الكاتب الجميل
تحية للكاتب ولأهل تونس tsh6


عَـروب التميمي 07-01-2008 04:19

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 


و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر
+
اتفقَت عائلتان يومًا على تزويـجي مِنها

وبينهما تتقيح الأحلام , تتيبس الأيام
وشريط الأحداث أمامي هُنـا
رائع يافيصل وأكثر tsh6


فيصل الزوايدي 08-02-2008 16:58

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عنود (مشاركة 240388)


جميلة جدا
عشت معها كل تفاصيلها
وبإنتظار الجديد دائما ايها الكاتب الجميل
تحية للكاتب ولأهل تونس tsh6


أخت عنود أسعدتني كثيرا هذه المشاعر النبيلة و انا ممتن لاطرائك على القصة و تفاعلك معها .. اعدك بالمزيد ان شاء الله
دمت في خير
مع الود

فيصل الزوايدي 08-02-2008 17:01

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عَـروب التميمي (مشاركة 240431)


و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر
+
اتفقَت عائلتان يومًا على تزويـجي مِنها

وبينهما تتقيح الأحلام , تتيبس الأيام
وشريط الأحداث أمامي هُنـا
رائع يافيصل وأكثر tsh6


أخت عَـروب التميمي شكرا للاقتباس و للتفاعل الحميمي .. أعتز برأيك و بدعمك الذي أشتدُّ به أَزرًا
دمت في خير
مع الود

فيصل الزوايدي 08-02-2008 17:01

رد : قصة بعنوان :الرحيل
 
إقتباس:

الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عَـروب التميمي (مشاركة 240431)


و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر
+
اتفقَت عائلتان يومًا على تزويـجي مِنها

وبينهما تتقيح الأحلام , تتيبس الأيام
وشريط الأحداث أمامي هُنـا
رائع يافيصل وأكثر tsh6


أخت عَـروب التميمي شكرا للاقتباس و للتفاعل الحميمي .. أعتز برأيك و بدعمك الذي أشتدُّ به أَزرًا
دمت في خير
مع الود


الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +4.
الوقت الان » 18:11.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يكتب في الموقع يعتبر حقوق محفوظة لموقع شعبيات- شبكة الاقلاع