محمد علي العمري
25-10-2002, 17:43
.
.
.
..
.
.
.
.
الكتاب / السابق
المؤلف / الأديب العربي الراحل / جبران خليل جبران
مقدمة ودراسة وتحليل الدكتورة / نازك سابايارد ( دراسة جديدة )
..............................
1. الحرب والأمم الصغيرة
كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان .
وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظراً إلى الحمل بعين جائعة يبغي إفتراسه
وبينما هو يهم بالهبوط لإقتناص فريسته ، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجه
وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله .
فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء .
فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة ، والتفتت إلى حملها وقالت :
(( تأمل ياولدي ، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين !!
أوليس من العار عليهما أن يتقاتلا ، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما
ليعيشا متسالمين ؟؟
ولكن صلّ ياصغيري ، صلّ في قلبك إلى الله ، لكي يرسل سلاماً إلى
أخويك المجنحين ! ))
فصلى الحمل من أعماق قلبه !
.................................................. ................................
2. الصحيفة البيضاء
قالت صحيفة ورق بيضاء ( كالثلج ) :
(( قد برئت نقية طاهرة وسأظل نقيةً إلى الأبد . وإنني لأوثر أن احرق وأتحول
إلى رماد أبيض ، على أن آذن للظلمة فتدنو مني وللأقذار فتلامسني ))
فسمعت قنينة الحبر قولها وضحكت في قلبها القاتم المظلم ولكنها خافت
ولم تدن منها .
وسمعت الأقلام أيضاً على أختلاف ألوانها ولم تقربها قط .
وهكذا ظلت صحيفة الورق بيضاء كالثلج ــــ نقيةً طاهرة ــــ ولكن ... فارغة .
.................................................. .................................................. ...
3.العالم والشاعر
قالت الحية للحسون : (( ما أجمل طيرانك أيها الحسون ! ولكن حبذا لو أنك تنسلّ
إلى ثقوب الأرض وأوكارها . حيث تختلج عصارة الحياة في هدوء وسكون! ))
فأجابها الحسون وقال : (( أي وربي ! إنك واسعة المعرفة بعيدتها ، بل انت
أحكم جميع المخلوقات ، ولكن حبذا لو أنك تطيرين )) .
فقالت الحية كأنها لم تسمع شيئاً : (( مسكين أنت أيّها الحسون ! فأنك
لا تستطيع أن تبصر أسرار العمق مثلي ، ولا تقدر أن تتخطر في خزائن المماليك
الخفية ، فترى أسرارها ومحتواياتها ، أما أنا فلا أبعد بك ، فقد كنت في الأمس
متكئة في كهف من الياقوت الأحمر أشبه بقلب رمانة ناضجة ، وأضأل الأشعة
تحولها إلى وردةٍ من نور .
فمن أعطي سواي في هذا العالم أن يرى مثل هذه الغرائب ؟ )) .
فقال لها الحسون : (( بالصواب قد حكمت أيتها الحكيمة ، فلا أحد إلاك يستطيع
أن يفترش ما تبلور من تذكارات العصور ، وآثار الدهور . ولكن وا أسفاه ،
فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية : (( إنني أعرف نباتاً تمتدّ جذوره إلى أحشاء الأرض ، وكل من
يأكل من تلك الجذور يصير أجمل من عشتروت )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( لا أحد ، إلاك قد أهتدى إلى حسر القناع عن فكر
الأرض السحري . ولكن واأسفاه ، فأنك لا تطيرين ! ))
فقالت الحية : (( وأعرف جدولاً أرجوانياً يجري تحت جبل عظيم ، وكلّ من يشرب
من هذا الجدول يصير خالداً خلود الآلة . وليس بين الطير أو الحيوان من أهتدى
إلى ذلك الجدول سواي )) .
فأجاب الحسون وقال (( بلى والله . فإن في منالك أن تكوني خالدة مثل الآلة
لو شئت . ولكن واأسفاة ، فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية (( وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض ، لم يهتد إليه باحث أو
منقب بعد ، أزوره مرة في الشهر ، وهو من بناء جبابرة الأزمنة الغابرة .
وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة ، وكل من يقرأها ويفهمها
يوازي الآلهة في العقل والمعرفة )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( بلى أيتها الحكيمة العزيزة ، فإنك لو شئت لاستطعت
أن تكتنفي بلين جسدك جميع معارف الأجيال . ولكنك وا أسفاه ، لا تقدرين
أن تطيري )) .
فاشمأزت الحية إذ ذاك من حديثه ، وارتدت عنه إلى وكرها وهي تبربر
في ذاتها قائلة : (( قبحه الله من غرّيد فارغ الرأس !!! )) .
أما الحسون فطار وهو يغني بأعلى صوته قائلاً :
(( واأسفاه، إنك لا تغردين ! واأسفاه، واأسفاه ياحكيمتي، فإنك لا تطيرين! )).
.................................................. ...............................
4 . الأثمان
كان رجل يحفر في حقله .
وفيما هو يحفر عثر على تمثال بديع من المرمر الجميل .
فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار والعاديّات وعرضه عليه .
فاشتراه منه بأبهظ الأثمان .
ومضى كل منهما في سبيله .
وبينما كان البائع راجعاً إلى بيته أخذ يفكر في ذاته قائلاَ :
(( وما أكثر مافي هذا المال من القوة والحياة ! إنه بالحقيقة ليدهشني كيف
أن رجلاً عاقلاً ينفق مالاً هذا مقداره لقاء صخرٍ أصم فاقد الحركة ، كان مدفوناً
في الأرض منذ ألف سنة ولم يحلم به أحد )) .
وفي الساعة عينها كان المشتري يتأمل التمثال مفكراً وقائلاً في ذاته :
(( تبارك ما فيك من الجمال ! تبارك مافيك من الحياة ! حلم أية نفس علوية انت ؟
هذه بالحقيقة نضارة أعطيتها من نوم ألف سنة في سكينة الأرض ؟
أنني والله لا أفهم كيف يمكن الإنسان أن يبيع مثل هذه الطرفة النادرة بمال
جامد زائل )) .
.................................................. ...........................................
5. التوبة
دخل رجل في ليلة ظلماء إلى حديقة جاره ، فسرق أكبر بطيخة وصلت إليها يده
وحملها وجاء بها إلى بيته .
وعندما كسرها وجد أنها عجراء لم تبلغ بعد نموها ، فتحرك ضميره في داخله
إذ ذاك ، وأوسعه تونيباً ، فندم على أنه سرق البطيخة ....
.................................................. ....................................
كان هذا ما استطعت ان احمله لكم معي من كتاب السابق للأديب اللبناني الراحل
جبران خليل جبران .
اتمنى أن يحوز على رضاكم وبانتظار ردودكم ومداخلاتكم تعليقاً على ما قرأتوا
تحياتي
.
.
..
.
.
.
.
الكتاب / السابق
المؤلف / الأديب العربي الراحل / جبران خليل جبران
مقدمة ودراسة وتحليل الدكتورة / نازك سابايارد ( دراسة جديدة )
..............................
1. الحرب والأمم الصغيرة
كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان .
وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظراً إلى الحمل بعين جائعة يبغي إفتراسه
وبينما هو يهم بالهبوط لإقتناص فريسته ، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجه
وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله .
فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء .
فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة ، والتفتت إلى حملها وقالت :
(( تأمل ياولدي ، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين !!
أوليس من العار عليهما أن يتقاتلا ، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما
ليعيشا متسالمين ؟؟
ولكن صلّ ياصغيري ، صلّ في قلبك إلى الله ، لكي يرسل سلاماً إلى
أخويك المجنحين ! ))
فصلى الحمل من أعماق قلبه !
.................................................. ................................
2. الصحيفة البيضاء
قالت صحيفة ورق بيضاء ( كالثلج ) :
(( قد برئت نقية طاهرة وسأظل نقيةً إلى الأبد . وإنني لأوثر أن احرق وأتحول
إلى رماد أبيض ، على أن آذن للظلمة فتدنو مني وللأقذار فتلامسني ))
فسمعت قنينة الحبر قولها وضحكت في قلبها القاتم المظلم ولكنها خافت
ولم تدن منها .
وسمعت الأقلام أيضاً على أختلاف ألوانها ولم تقربها قط .
وهكذا ظلت صحيفة الورق بيضاء كالثلج ــــ نقيةً طاهرة ــــ ولكن ... فارغة .
.................................................. .................................................. ...
3.العالم والشاعر
قالت الحية للحسون : (( ما أجمل طيرانك أيها الحسون ! ولكن حبذا لو أنك تنسلّ
إلى ثقوب الأرض وأوكارها . حيث تختلج عصارة الحياة في هدوء وسكون! ))
فأجابها الحسون وقال : (( أي وربي ! إنك واسعة المعرفة بعيدتها ، بل انت
أحكم جميع المخلوقات ، ولكن حبذا لو أنك تطيرين )) .
فقالت الحية كأنها لم تسمع شيئاً : (( مسكين أنت أيّها الحسون ! فأنك
لا تستطيع أن تبصر أسرار العمق مثلي ، ولا تقدر أن تتخطر في خزائن المماليك
الخفية ، فترى أسرارها ومحتواياتها ، أما أنا فلا أبعد بك ، فقد كنت في الأمس
متكئة في كهف من الياقوت الأحمر أشبه بقلب رمانة ناضجة ، وأضأل الأشعة
تحولها إلى وردةٍ من نور .
فمن أعطي سواي في هذا العالم أن يرى مثل هذه الغرائب ؟ )) .
فقال لها الحسون : (( بالصواب قد حكمت أيتها الحكيمة ، فلا أحد إلاك يستطيع
أن يفترش ما تبلور من تذكارات العصور ، وآثار الدهور . ولكن وا أسفاه ،
فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية : (( إنني أعرف نباتاً تمتدّ جذوره إلى أحشاء الأرض ، وكل من
يأكل من تلك الجذور يصير أجمل من عشتروت )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( لا أحد ، إلاك قد أهتدى إلى حسر القناع عن فكر
الأرض السحري . ولكن واأسفاه ، فأنك لا تطيرين ! ))
فقالت الحية : (( وأعرف جدولاً أرجوانياً يجري تحت جبل عظيم ، وكلّ من يشرب
من هذا الجدول يصير خالداً خلود الآلة . وليس بين الطير أو الحيوان من أهتدى
إلى ذلك الجدول سواي )) .
فأجاب الحسون وقال (( بلى والله . فإن في منالك أن تكوني خالدة مثل الآلة
لو شئت . ولكن واأسفاة ، فأنك لا تغردين ! )) .
فقالت الحية (( وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض ، لم يهتد إليه باحث أو
منقب بعد ، أزوره مرة في الشهر ، وهو من بناء جبابرة الأزمنة الغابرة .
وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة ، وكل من يقرأها ويفهمها
يوازي الآلهة في العقل والمعرفة )) .
فأجابها الحسون قائلاً (( بلى أيتها الحكيمة العزيزة ، فإنك لو شئت لاستطعت
أن تكتنفي بلين جسدك جميع معارف الأجيال . ولكنك وا أسفاه ، لا تقدرين
أن تطيري )) .
فاشمأزت الحية إذ ذاك من حديثه ، وارتدت عنه إلى وكرها وهي تبربر
في ذاتها قائلة : (( قبحه الله من غرّيد فارغ الرأس !!! )) .
أما الحسون فطار وهو يغني بأعلى صوته قائلاً :
(( واأسفاه، إنك لا تغردين ! واأسفاه، واأسفاه ياحكيمتي، فإنك لا تطيرين! )).
.................................................. ...............................
4 . الأثمان
كان رجل يحفر في حقله .
وفيما هو يحفر عثر على تمثال بديع من المرمر الجميل .
فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار والعاديّات وعرضه عليه .
فاشتراه منه بأبهظ الأثمان .
ومضى كل منهما في سبيله .
وبينما كان البائع راجعاً إلى بيته أخذ يفكر في ذاته قائلاَ :
(( وما أكثر مافي هذا المال من القوة والحياة ! إنه بالحقيقة ليدهشني كيف
أن رجلاً عاقلاً ينفق مالاً هذا مقداره لقاء صخرٍ أصم فاقد الحركة ، كان مدفوناً
في الأرض منذ ألف سنة ولم يحلم به أحد )) .
وفي الساعة عينها كان المشتري يتأمل التمثال مفكراً وقائلاً في ذاته :
(( تبارك ما فيك من الجمال ! تبارك مافيك من الحياة ! حلم أية نفس علوية انت ؟
هذه بالحقيقة نضارة أعطيتها من نوم ألف سنة في سكينة الأرض ؟
أنني والله لا أفهم كيف يمكن الإنسان أن يبيع مثل هذه الطرفة النادرة بمال
جامد زائل )) .
.................................................. ...........................................
5. التوبة
دخل رجل في ليلة ظلماء إلى حديقة جاره ، فسرق أكبر بطيخة وصلت إليها يده
وحملها وجاء بها إلى بيته .
وعندما كسرها وجد أنها عجراء لم تبلغ بعد نموها ، فتحرك ضميره في داخله
إذ ذاك ، وأوسعه تونيباً ، فندم على أنه سرق البطيخة ....
.................................................. ....................................
كان هذا ما استطعت ان احمله لكم معي من كتاب السابق للأديب اللبناني الراحل
جبران خليل جبران .
اتمنى أن يحوز على رضاكم وبانتظار ردودكم ومداخلاتكم تعليقاً على ما قرأتوا
تحياتي