عبدالواحد اليحيائي
06-07-2008, 17:40
.
.
في مقابلة أخيرة وقبل رحيله بأشهر قليلة (ديسمبر 1974م)، وبعد عملية جراحية في القلب، قال الموسيقار فريد الأطرش إن ما يؤلمه هو خوفه من الرحيل دون أن يقدم كل ما لديه من ألحان موسيقية وأغنيات بصوته وأصوات أخرى. وفي كتابه عن جبران خليل جبران تساءل ميخائيل نعيمه: هل قال جبران كلمته، وأعتبر ذلك ما كان يود أن يسأله جبران وهو على فراش موته في بوسطن (أبريل 1931)، وتوقع أن تكون الإجابة: لا، لم أقلها بعد. وفي السنوات الثلاث الأخيرة من حياة نيتشه ما قبل الجنون (1887-1889) أوشك فيلسوف القوة أن ينشئ كتاباً كل شهر قبل أن يدخل عليه أحد أصدقائه ليجده يعزف على البيانو ويرقص ويهلوس ويستمر في هلوسته لعشر سنوات قادمة. المطرب طلال مداح سقط أمام جمهوره على المسرح (أغسطس 2000) وهو يؤدي وصلته الأخيرة. أما سقراط بداية السلسلة الذهبية: سقراط – أفلاطون – آرسطو فقد تجرع السم أمام تلاميذه، وأوصاهم بأن لا يبكوا عليه قائلا: لقد خبّرت أنه ينبغي على الإنسان أن يسلم الروح في هدوء.
قسم نيتشه الأخلاق إلى نوعين: أخلاق سادة، وأخلاق عبيد. ولا شك أنه كان سيعتبر فريد الأطرش ممثلا موسيقياً لأخلاق العبيد، كان النواح والتشكي والحديث عن الحبيب الملتاع هو الغالب على موسيقى الموسيقار العربي. ولم يرض نيتشه عن سقراط، كان يرى أن فلسفته هي البداية الحقيقية لسقوط الفكر تحت هيمنة العبيد. وكثيرون يسيئون فهم نيتشه اليوم حين يتصورونه داعية لا أخلاقي، كان نيتشه أخلاقياً في حياته الخاصة، وإرادة القوة عنده لا تعني الظلم والقهر بقدر ما تعني أهمية أن يتحمل الفرد مسؤولية ما يعمل، لذا أدخله كثيرون ضمن دعاة الوجودية الأوائل، وكان نيتشه يحب أعمال ديستوفسكي، ولم يصور أحد طبقة المستضعفين كما صورهم ديستوفسكي ولم يعجب به نيتشه أو فرويد لاحقاً لهذا السبب، لكنهما أعجبا بقدرته على خلق أنفسٍ إنسانية صالحة للتمثيل الفلسفي، وباقتدار بالغ.
طلال مداح، تغنى بأخلاقيات العبيد، وهي في رأي نيتشه أخلاقيات منافقة، العفو لأن العبد لا يملك أن يعاقب أصلا، الرحمة لأن العبد في قرارة نفسه يحتاجها فينشط لتعميمها على الآخرين، العدالة هي مطلب العبد لأنها تساويه بالسادة. فن طلال مداح تكريس لأخلاقيات العبيد عند فيلسوف إرادة القوة، ومخدر يستخدمه السادة لكبت رغبة العبيد في حرية لا يستحقونها، أو لنقل هو تحويل لمسار الرغبة في الحرية من العقل إلى الغريزة، من الأعلى إلى الأسفل.
جبران تأثر كثيرًا بنتشه وبالذات في كتاباته العربية حتى صرخ: لكم لغتكم ولي لغتي. لكن صرخته تهاوت حين كتب بالإنجليزية كتابه الأشهر (النبي)، تحول إلى العطف والموعظة وشاء أن يسترضي العواطف الإنسانية وليس الكنيسة، رفض جبران أن يقابل القسيس في لحظاته الأخيرة، وعبر عن رفضه باشمئزاز، وتلك بعض بقايا النتشوية فيه، ولم يكن للدين مكان بارز في عقل نيتشه، وكان يرى أن الجسد هو من يقود الروح وليس العكس. السوبرمان أو الإنسان الأعلى الذي مات الله على يديه كما يقول نيتشه جسد في الدرجة الأولى وروح في الدرجة الـ(عشرة آلاف).
سقراط هو من أوقف هيمنة الجنس الأقوى كما فكر فيه نيتشه، لكن هل فكر نيتشه فعلا في ذلك؟ لاحقاً استوحى هتلر فلسفة نيتشه مؤمناً بفلسفة القوة كما قدمتها إليزابيث (بالفصحى = اليصابات) أخت نيتشه وبعض تلاميذ مجنون القوة الذين كانوا يغيّرون في أوراقه لتتفق مع عنصرية بغيضة كرهها الفيلسوف يوم كان بعقل كامل حتى قال لأحد العنصريين: إن لم تتوقفوا عن إرسال منشوراتكم إلي فسأتخذ موقفاً لن يرضيكم. لقد عبثت أخت الفيلسوف في أوراقه لتناسب زمناً مختلفاً قد أطل، زمن قام على فلسفة القوة وعاش بها عبر حربين عالميتين.
عدت يا يوم مولدي..
عدت يا أيها الشقي..
عاد مع فريد الأطرش بنغمة بكاء،
وعاد مع فيلسوف إرادة القوة بصخب جنون.
.
.
.
في مقابلة أخيرة وقبل رحيله بأشهر قليلة (ديسمبر 1974م)، وبعد عملية جراحية في القلب، قال الموسيقار فريد الأطرش إن ما يؤلمه هو خوفه من الرحيل دون أن يقدم كل ما لديه من ألحان موسيقية وأغنيات بصوته وأصوات أخرى. وفي كتابه عن جبران خليل جبران تساءل ميخائيل نعيمه: هل قال جبران كلمته، وأعتبر ذلك ما كان يود أن يسأله جبران وهو على فراش موته في بوسطن (أبريل 1931)، وتوقع أن تكون الإجابة: لا، لم أقلها بعد. وفي السنوات الثلاث الأخيرة من حياة نيتشه ما قبل الجنون (1887-1889) أوشك فيلسوف القوة أن ينشئ كتاباً كل شهر قبل أن يدخل عليه أحد أصدقائه ليجده يعزف على البيانو ويرقص ويهلوس ويستمر في هلوسته لعشر سنوات قادمة. المطرب طلال مداح سقط أمام جمهوره على المسرح (أغسطس 2000) وهو يؤدي وصلته الأخيرة. أما سقراط بداية السلسلة الذهبية: سقراط – أفلاطون – آرسطو فقد تجرع السم أمام تلاميذه، وأوصاهم بأن لا يبكوا عليه قائلا: لقد خبّرت أنه ينبغي على الإنسان أن يسلم الروح في هدوء.
قسم نيتشه الأخلاق إلى نوعين: أخلاق سادة، وأخلاق عبيد. ولا شك أنه كان سيعتبر فريد الأطرش ممثلا موسيقياً لأخلاق العبيد، كان النواح والتشكي والحديث عن الحبيب الملتاع هو الغالب على موسيقى الموسيقار العربي. ولم يرض نيتشه عن سقراط، كان يرى أن فلسفته هي البداية الحقيقية لسقوط الفكر تحت هيمنة العبيد. وكثيرون يسيئون فهم نيتشه اليوم حين يتصورونه داعية لا أخلاقي، كان نيتشه أخلاقياً في حياته الخاصة، وإرادة القوة عنده لا تعني الظلم والقهر بقدر ما تعني أهمية أن يتحمل الفرد مسؤولية ما يعمل، لذا أدخله كثيرون ضمن دعاة الوجودية الأوائل، وكان نيتشه يحب أعمال ديستوفسكي، ولم يصور أحد طبقة المستضعفين كما صورهم ديستوفسكي ولم يعجب به نيتشه أو فرويد لاحقاً لهذا السبب، لكنهما أعجبا بقدرته على خلق أنفسٍ إنسانية صالحة للتمثيل الفلسفي، وباقتدار بالغ.
طلال مداح، تغنى بأخلاقيات العبيد، وهي في رأي نيتشه أخلاقيات منافقة، العفو لأن العبد لا يملك أن يعاقب أصلا، الرحمة لأن العبد في قرارة نفسه يحتاجها فينشط لتعميمها على الآخرين، العدالة هي مطلب العبد لأنها تساويه بالسادة. فن طلال مداح تكريس لأخلاقيات العبيد عند فيلسوف إرادة القوة، ومخدر يستخدمه السادة لكبت رغبة العبيد في حرية لا يستحقونها، أو لنقل هو تحويل لمسار الرغبة في الحرية من العقل إلى الغريزة، من الأعلى إلى الأسفل.
جبران تأثر كثيرًا بنتشه وبالذات في كتاباته العربية حتى صرخ: لكم لغتكم ولي لغتي. لكن صرخته تهاوت حين كتب بالإنجليزية كتابه الأشهر (النبي)، تحول إلى العطف والموعظة وشاء أن يسترضي العواطف الإنسانية وليس الكنيسة، رفض جبران أن يقابل القسيس في لحظاته الأخيرة، وعبر عن رفضه باشمئزاز، وتلك بعض بقايا النتشوية فيه، ولم يكن للدين مكان بارز في عقل نيتشه، وكان يرى أن الجسد هو من يقود الروح وليس العكس. السوبرمان أو الإنسان الأعلى الذي مات الله على يديه كما يقول نيتشه جسد في الدرجة الأولى وروح في الدرجة الـ(عشرة آلاف).
سقراط هو من أوقف هيمنة الجنس الأقوى كما فكر فيه نيتشه، لكن هل فكر نيتشه فعلا في ذلك؟ لاحقاً استوحى هتلر فلسفة نيتشه مؤمناً بفلسفة القوة كما قدمتها إليزابيث (بالفصحى = اليصابات) أخت نيتشه وبعض تلاميذ مجنون القوة الذين كانوا يغيّرون في أوراقه لتتفق مع عنصرية بغيضة كرهها الفيلسوف يوم كان بعقل كامل حتى قال لأحد العنصريين: إن لم تتوقفوا عن إرسال منشوراتكم إلي فسأتخذ موقفاً لن يرضيكم. لقد عبثت أخت الفيلسوف في أوراقه لتناسب زمناً مختلفاً قد أطل، زمن قام على فلسفة القوة وعاش بها عبر حربين عالميتين.
عدت يا يوم مولدي..
عدت يا أيها الشقي..
عاد مع فريد الأطرش بنغمة بكاء،
وعاد مع فيلسوف إرادة القوة بصخب جنون.
.
.