PDA

عرض كامل الموضوع : مقاطعة.. مقاطعة


عبدالواحد اليحيائي
08-02-2006, 11:57
.
المقاطعة..

قديما غضبت الحكومة السعودية من فلم موت أميرة لأسباب ومبررات قدمتها حينها، وانشغلت الصحافة والسفارات السعودية بحملة قوية ضد الفلم، كانت النتيجة دعاية مجانية لفلم تافه، رآه بعد ذلك كل من لم يره قبل هذه الحملة.

لاحقا اصدر الإمام الخميني فتوى باهدار دم الروائي سلمان رشدي، بعد أن اصدر الأخير رواية تافهة المعنى والمبنى أسماها آيات شيطانية، انشغلت اوربا بالفتوى وبيعت من الرواية الوف النسخ لأن الناس كانت تريد أن تطلع على الكتاب الذي أثار غضب الإمام، اختبئ سلمان رشدي وما زال، لكنه أيضا لا يزال يصدر رواياته، وما يزال الكثيرون يتعاملون معه كمثل حي على المفكر الحر الذي تطارده قوى الظلام والشر في العالم.. المسلمون!!

الآن، هذه الرسوم الكريكاتورية الغبية التي نشرتها صحيفة دانمركية غير مسؤولة، في بلد يؤمن باطلاق الحريات بدء من نشر المجلات الخليعة إلى نقد كل مقدس سواء أكان فكرا أو شخصا أو شيئا، وعلى المتضرر الدفاع عن نفسه، وقررت الحكومة الدانمركية أن القضية حرية شخصية، وتفاعل بعض المسلمين بمقاطعة البضائع الدانمركية سواء أكانت مواد غذائية أو أدوية أو مواد صناعية، وهم بالتأكيد أحرار كأفراد في اتخاذ الموقف الذي يعتقدون صحته، وقد قمت شخصيا بهذا رغم أني لا احب الزبدة، ولا أتعامل مع الانسولين، ولا يوجد عندي من اشتري له لعبة لوغو.

لكن الأمر تطور..
تحول الموضوع إلى مظاهرات، وحرائق، وضحايا قتلا وجراحة..
وفي الجانب الآخر نشر الرسوم المسيئة من لم يكن يعلم عنها أصلا قبل هذا التظاهر..
وأخيرا أصبح على المقاطعين أن يقاطعوا كل الصناعة الغربية، وقد يمتد الامر ليشمل الصناعة الاسيوية والافريقية، بمعنى أن على العربي أو المسلم أن يمشى عاريا، لأنه وللأسف الشديد لا يوجد لديه ما يصنعه، وغالب ما لديه مستورد بدء من ثوبه وسيارته، إلى غذائه ودوائه، وهذه مشكلة، حين يقاطع المتخلف صناعيا المصدر الذي يزوده بحاجاته الصناعية وغير الصناعية.

لا اقول يجب أن لا نقاطع..
المقاطعة قضية حرية شخصية..
الدانمركيون (والاوربيون، وربما الامريكان مستقبلا) أحرار في فهمهم للحرية، ونحن أيضا أحرار في أن نقاطع أو لا نقاطع، لكن المقاطعة يجب أن لا تتجاوز التنبيه على أهمية احترام الرموز الإسلامية إلى الحاق الضرر بأنفسنا قبل الآخر.

لنكن أكثر وعيا فلا ننشر الاساءة التي نحاربها لأننا نعتقد أن العالم يفكر بالطريقة التي نفكر بها، ماذا سيحصل لو قالت لنا أوربا: لا نحتاج بترولكم... إشربوه؟ وما الذي سيحدث لو قالت الدانمرك للجالية العربية والمسلمة لديها: شكرا، لا نحتاج خدماتكم عودوا إلى اوطانكم موئل الحرية؟ هم على مقاطعتنا أقدر منا بكثير على مقاطعتهم لأنه لديهم ما يقطعونه عنا، وما لدينا للأسف لا يفي بمتطلباتنا فضلا عن متطلبات العالم كله من حولنا.

كم شتمت المملكة العربية السعودية..؟
وكم شتم الاسلام؟
وكم شتم الرسول صلى الله عليه وسلم؟
كثير جدا، لكن لم تتأثر المملكة ولم يهتز الاسلام، وبقي محمد صلى الله عليه وسلم شامخا رغم انوف كثيرة.

وأيضا..
ألم نساهم نحن في تشويه اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبل هؤلاء الحمقى ؟
الم نضع الخناجر على رقاب الاوربيين في العراق وخلفهم راية مكتوب عليها: محمد رسول الله؟ الم يستبح بعض ابنائنا هنا وهناك قتل المستأمنين باسم الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟ محبة رسول الله في طاعته، وليست في احراق السفارات وقد نهى عليه السلام عن قتل الرسل، وليست في ترويع الآمنين المتعاقدين، وليست في قتل أو شتم من اختلف معنا بالرأي لمجرد أنه يرى ما لا نراه، وأيضا ليست في جلب ضرر متحقق دفعا لضرر أقل تحققا.

ببعض تصرفاتنا الهوجاء..
استفززنا الآخر وجعلناه أكثر عدوانية..
وواقعا نحن الطرف الضعيف ما دمنا نتصرف بمنطق الداعم لأفكار عدوه..
فليتنا نعي ونفكر بهدوء بعيدا عن الغوغائية وتصنع البطولة الفارغة.
.
.

نهر
10-02-2006, 17:45
لا ادري سيدي :
نعم محبة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في طاعته ..وليس في حرق السفارات والاعتداء على المتعاقدين ولكن تصويرهم لسيدنا الاكرم على الاقل من صحافتهم التي هي بمنأى عن قوانين الحكومه على انه خنزير او على هيئة اعرابي سراويله مشقوقه من دبره وهو لا يدري عنها يستلزم منا وقفه ..
وهل تعتقد ان بقرتهم ذات النظارات وما تنتجه من مشتقات الحليب هو جلب ضرر متحقق ؟
الدنماركيون رفضوا الاعتذار للآن كحكومة او استقبال السفراء المسلمين لمجرد الشجب والاستنكار
الصحيفه لم تعتذر الا مؤخرآ بعد مطالبات شعبيه وحكوميه تجنبآ لمقاطعه اقتصاديه.

ماذا تريد ان يفعل اهل البطولات الفارغه بالضبط ...لم تقدم الحلول
مع العلم ان السويد ستنظم مسابقه لرسم الرسول من جديد
اضافة الى ان السويد وفرنسا واسبانيا وسويسرا والنرويج وغيرها وسعت دائرة الاساءه لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم لتضييق دائرة المقاطعه وانهاك جهود اهل الفكر الغوغائي

عبدالواحد اليحيائي
11-02-2006, 12:24
.
.
الاخ نهر..
لا شك في الاساءة ولا اعتراض على المقاطعة بالطريقة التي ستؤدي إلى التخلص من الاساءة ومعاقبة المسيئين.

الاعتراض كان وسيبقى على القتل والتحريق وافساد ممتلكاتنا العامة بل وحتى قتل النفس بحجة أن هذا الدواء أو ذاك مصنع في الدانمرك، أما المقاطعة السلمية بمعنى التظاهر السلمي تعبيرا عن الغضب أو المقاطعة الاقتصادية للقادر عليها فلا حرج.

أما الضرر المتحقق الذي تسأل عنه فهو أن يعمد القوم إلى مقاطعتنا,,
وما حال ليبيا والعراق منك ببعيد.

تحياتي لك.
.
.

نواف الشمري
11-02-2006, 13:33
كاتبنا القدير عبدالواحد ..


لقد تناولت الموضوع من جهه تستحق الذكر ايضا ..
وانا قد اتفق معك في بعض مااردفت واختلف معك في بعضه

الا اني اؤكد على الفكره الاساسيه التي يجب ان لا نهملها
وهي التي استخلصتها من طرحك الرائع عندما نتظرق الى امر المقاطعه
يجب ان لاننسى انها اساءه كبيره ويجب ايضا ان نغضب كما يجب ايضا ان نعقل ..

وههو تماما كما اسماه الشيخ يوسف القرضاوي بالغضب االعاقل
شرط ان يؤثر ولايكون سلبيا ولاهامشيا


شكرا لك اخي عبدالواحد على هذا الطرح الجميل


.

نجـود
11-02-2006, 15:20
.


عبدالواحد اليحيائي

دائماً لك نظره اعمق بقضايا تنطرح على الساحه
معك حق بكثير من إللي قلته... ( انا حتى ارفض كلمة اهانو الرسول عليه الصلاة والسلام )
لكن إللي اسعدني بموضوع المقاطعه...الشجاعه بالتصدي لمثل هذه الدول إللي قوائمها الاقتصاديه قائمه على خيرنا
ثمن قبل فتره من نشر صور للرسول صلى الله عليه وسلم ... كان بينشر صور للمحرقه اليهوديه بأوربا.. ورفضت الجريده نشرها..تتوقع وش الاسباب خوف من القوه الماليه اليهوديه...:)
يعني الحريه مهيب عندهم .. لكن هم مستضعفين المسلمين .. انا اعتبر المقاطعه نقطه ايجابيه بحقنا على كافة الاصعده
واعتقد بعدها بيحسبون لنا حساب...(ثمن احنا قوه نفطيه... بكل الاحوال بيرجعون لنا..مهب احنا إللي بنرجع لهم):)

عبدالواحد اليحيائي
12-02-2006, 09:35
.
.
الأخ نواف..
الأخت نجود..
لكما خالص الشكر على المتابعة والتعليق.

ولعل في المقال التالي بعض التأكيد لما اتفقنا عليه جميعا هنا:

كاريكاتير الدنمارك.. الساحة التي غاب عنها المسلمون..!
غيداء فخري
الشرق الأوسط السعودية

لدى البدء في كتابة هذا العمود، كان الموقع الالكتروني لآلية البحث «غوغل» يتضمن ما يزيد عن 2200 مقال نُشر حتى الآن بالانجليزية فقط حول موضوع الرسوم الدنماركية المثير للجدل. أما الموضوع الاخباري الآخر الذي تناوله أكبر عدد من وسائل الاعلام في الفترة نفسها، فيتعلق بالجدال المستمر بشأن البرنامج النووي الايراني، إذ سجل الموقع ما يزيد عن 1900 مقال.

للوهلة الأولى قد لا تكون هناك أي صلة جلية بين المسألتين، اذ أن الموضوع الأول يقابل بين مفهومي حرية التعبير، الذي لا يشكل «مفهوماً غربياً» على الاطلاق ولا يُعتبر «حقاً مطلقاً»، والتعاليم الدينية في الاسلام التي تحظر رسم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم. وما زاد الطين بلة وساهم في صب الزيت على النار هي الطريقة التي صور فيها الرسول الكريم في الرسوم التي بادرت بنشرها صحيفة دنماركية، ثم أعيد نشرها في وسائل اعلام أوروبية عدة، والتي أثارت صدمة المسلمين (وغير المسلمين أيضاً) في مختلف أنحاء العالم، مما حول هذا الجدل المتنامي من قضية خلافية إلى أزمة دولية تدق على وتر حساس لدى المسلمين. وفي حين يعتبر عدد من السياسيين والمحللين أن بعض العناصر الراديكالية أو الأنظمة تستغل هذه القضية لأغراض سياسية، الا أن الحقيقة كانت ولا تزال أن نشر هذه الرسوم في سبتمبر الماضي للمرة الأولى، كان بحد ذاته تجديفاً، واعتُبرت اعادة نشرها بعد أشهر عديدة استفزازا ومؤامرة ضد الاسلام. واذا كان هذا الأمر صحيحاً بالفعل، فعلى المسلمين أن يفكروا ملياً بما يحصل ويتجنبوا الفخ بدلاً من الوقوع فيه، لأن ما تهدف الجهة المستفزة إلى تحقيقه هو تحديد أجندة تسلسل الأحداث وردود الفعل. ولدى مشاهدة صور النيران وهي تلتهم السفارات الأوروبية وأماكن العبادة التابعة لأديان أخرى على شاشات التلفزيون، لا يمكن استخلاص إلا إلى أن أعمال العنف هذه لا تخدم الاسلام والمسلمين، وإلى أنها لا تساعد على تحسين صورة الاسلام في الغرب التي هي أصلا مشوهة ومُساء فهمها.

ومع ذلك، فان اندلاع أعمال العنف التي شاهدناها في الأيام الأخيرة لم يأتِ من فراغ، اذ أنه يعبّر عن وضع أصعب بكثير يعيشه المسلمون، ويعكس أزمة عميقة تعصف بالعالم الاسلامي تاركة الغرب في حيرة من أمره، لا سيما وأن هناك مليار مسلم في العالم يعيش حوالى عشرين مليونا منهم في أوروبا، الأمر الذي دفع الحكومات الأوروبية الى التوقف مليا عند أعمال الشغب التي اندلعت في فرنسا العام الماضي واستمرت أياماً عدة. لا شك أن أزمة الرسوم ستتلاشى شيئاً فشيئا، على أمل ألا يقع ضحيتها عدد كبير من الناس، على غرار ما حصل إزاء فورة العنف الانفعالية التي ظهرت فجأة نتيجة صدور كتاب سلمان رشدي «الآيات الشيطانية» والفتوى الصادرة عن آية الله الخميني التي منحت الكاتب شهرة دولية واسعة بين ليلة وضحاها. ولكن، عندما تثير كلمات أو رسوم من هذا النوع هذا القدر من الانفعال والعنف، فلعل ذلك يشكل مؤشرا على درجة خطيرة وعميقة من الهشاشة لدى مجتمع بكامله، قد تدل للوهلة الأولى على استعداده وقدرته على الدفاع عن نفسه، ولكنها في نهاية المطاف، تكشف على أنه عرضة للاستغلال والتضليل والانجرار الى الفخاخ المنصوبة له، خصوصاً في ضوء المناخ الدولي السائد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، المتسم بالتوتر في وقت تدور معارك سياسية أوسع نطاقاً وأبلغ خطورة وأكثر أهمية.

في هذه الأثناء، وبهدوء وبعيداً عن الأنظار المنشغلة بأحداث أخرى، تُرسم الخرائط الجديدة. فقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بالوكالة، ايهود أولمرت، الثلاثاء الماضي أن بلاده تنوي الانفصال عن الفلسطينيين، لكن دون التفاوض معهم على تسوية، مشيراً الى أن اسرائيل ستضم وادي الأردن بكامله، مما يعني أن أي دولة فلسطينية مقبلة في الضفة الغربية ستكون محاطة بإسرائيل من كافة جوانبها، ولا اتصال جغرافيا مباشرا لها بالدول المجاورة (تماما كحال بنتوستانات نظام الأبارتايد في جنوب افريقيا). ولم يتوقف أولمرت عند هذا الحد بل أضاف أن الحكومة الاسرائيلية «ستبقي القدس موحدة». بيد أن عدد المقالات التي تناولت هذا الموضوع حسب الموقع الإلكتروني لـ«غوغل» لم يتعد 250 لدى كتابة هذا العمود.

ألم يكن من الأجدر بهذا العدد الكبير من المسلمين الغاضبين، لو وظّفوا ما أطلقوه خلال الأيام القليلة الماضية من غضب وطاقة بسبب الرسوم التي نشرتها بعض وسائل الاعلام الأوروبية، ولو كانت هذه الرسوم مسيئة وتجديفية الى أبعد حد، في مكان آخر؟ وهل يشكل هذا الغضب تحذيراً أم وسيلة لتنفيس الاحتقان والخيبات التي يعيشها المسلمون؟ وهل هو استعراض للقوة أم صورة لحالة الفوضى والتشويش التي تعم العالم الاسلامي؟ فهل سمع أحد بإطلاق حملة احتجاج ضد الجدار الفاصل الذي تمضي الحكومة الاسرائيلية في تشييده، والذي هو قاب قوسين أو أدنى من إحكام القبضة الإسرائيلية نهائيا على مدينة القدس؟
.
.

نجـود
12-02-2006, 09:44
8
8

تطلب المستحيل... القضيه هنا اختلفت ذا أحتلال
مااظن عقلي بيستوعب المقارنه إللي تتكلم عنها

عبدالواحد اليحيائي
13-02-2006, 14:43
.
.
هذا مقال آخر من وجهة نظر مختلفة..
أي وجهة النظر الغربية (المثقفة)..
والدكتور هاشم صالح هو أحد كبار المثقفين العرب في فرنسا، وهو أيضا ناقل الفيلسوف المغاربي محمد أركون إلى العربية..
.
مثقفو فرنسا والكاريكاتير: مشهد للعمق.. وللتناقض أيضا
هاشم صالح
الشرق الأوسط

يصعب على المقيم في فرنسا ان يتابع كل البرامج الاذاعية والتلفزيونية وكل المقالات الصحفية التي تتحدث عن الموضوع. وقد جمعت عنها كلها اضبارة كاملة قبل ان أكتب هذه المقالة.
فبأيها أبدأ؟

ينبغي القول أولا بأن المناقشة خصبة، تناقضية، عميقة أحيانا. وهي على أي حال مفيدة لتوضيح المواقع الخاصة بحوار الحضارات، او بصدامها بالأحرى. وقد عاد الكثيرون الى اطروحة صدام الحضارات العزيزة على قلب صموئيل هانتنغتون. وراحوا يثنون عليه وعلى مقدرته التنبؤية بما سيحصل في مستقبل الايام. فكل ما توقعه او تخوف منه اصبح حقيقة واقعة. وهذا ما يعتقده المؤرخ والكاتب المشهور ماكس غالو الذي كثيرا ما يتدخل على شاشات التلفزيون بحماسته المعهودة واندفاعته وعلمه الغزير ايضا.

وهو يموضع المناقشة داخل اطارها الواسع اذ يقول: هناك عقليتان مختلفتان تماما: عقلية العالم الاسلامي المغموسة كليا بالمقدسات والتي لم تشهد الحداثة والعلمنة وحرية التفكير بعد، وعقلية الغرب الاوروبي ـ الاميركي الذي شهد كل ذلك وتشبع به الى حد الافراط احيانا. وبالتالي فكيف يمكن ان تتلاقى هاتان العقليتان؟ الشيء المنطقي هو ان تتصادما. فنحن تجاوزنا مرحلة العصور الوسطى والظلامية المسيحية ومحاكم التفتيش بعد صراعات حامية ودفعنا الثمن قبل ان نتوصل الى حرية التفكير والتعبير. واليوم يطلبون منا ان نتراجع عن هذه الحرية من اجل احترام مقدسات دين آخر غير ديننا! فهل يمكن ان نتراجع عن مكتسب كنا قد دفعنا ثمنه غاليا على مدار العصور السابقة؟

لا ريب في انه ينبغي عدم جرح مشاعر المؤمنين بالدين الاسلامي او أي دين آخر. ولكن ماذا نفعل اذا كنا نجرح مشاعر المسيحيين، او من تبقى منهم عندنا، كل يوم؟ فمؤخرا عرضوا صليب المسيح على واجهة فيلم سينمائي وكأنه الصليب المعقوف لهتلر والنازية! وهذا اكبر جرح لمشاعر المسيحيين في فرنسا وكل انحاء اوروبا. وهناك شركة عطور وأزياء تجرأت على عرض صورة العشاء الأخير الذي تناوله المسيح مع حوارييه قبل صلبه بعد ان ملأت المشهد بالنساء العاريات المحيطات به!

في كل يوم يسخرون من المسيح او البابا او العقائد الكاثوليكية على شاشات التلفزيون ولا أحد يستطيع ان يحرك ساكنا. فعندنا تسود عقلية السخرية من كل شيء ويحق لك ان تقول كل شيء تقريبا. عندنا تسود العقلية التجارية، عقلية الربح والاستهلاك المادي المسعور. لم يعد هناك أي شيء مقدس في المجتمعات الاوروبية المعلمنة كليا. وهنا يكمن السبب الاساسي لسوء التفاهم مع عالم الاسلام.. فهناك لا تزال للمقدسات حرمة وهيبة لم تعد موجودة عندنا.

أما رئيس تحرير «ملحق الاديان» في جريدة اللوموند فيشارك المسلمين غضبهم ويتفهمه ويقول بما معناه: ابدا ما كنت سأنشر هذه الصور الكاريكاتورية لو عرضت علي في الجريدة. فليس من حقي ان اصور مؤسس الدين الاسلامي على هذا النحو الارهابي! فهذا تشويه لصورته الحقيقية وجرح لمشاعر مئات الملايين من المسلمين بشكل مجاني وغير مقبول على الاطلاق. لقد نشرنا صورا كاريكاتورية عديدة في السابق عن الكهنة او الحاخامات او الأئمة المتعصبين. ولكننا لم نتجرأ على فعل نفس الشيء مع مؤسسي هذه الاديان الثلاثة: أي المسيح، وموسى، ومحمد. فالمؤسسون الكبار لهم حرمة وهيبة وحصانة لا ينبغي النيل منها بأي شكل.

ولكن هذا لا يعني اننا موافقون على اعمال العنف المبالغ فيها والتي تحصل في الدول العربية والاسلامية. فما على هذه الشاكلة المرعبة والبدائية يكون الاحتجاج. يضاف الى ذلك ان من حقنا نقد العقائد الدينية في اوروبا. وهو حق لم نتوصل اليه الا بعد جهد جهيد وبعد ان سفكت دماء كثيرة على مدار القرون السابقة. فنحن ايضا كنا متوحشين نقتل من يتجرأ على الاستهزاء بالمسيح او امه العذراء او اية عقيدة مسيحية. وقد قتلنا «الفارس دولابار» عام 1766 لأنه لم يكشف رأسه عندما مر امامه موكب ديني ولأنه كسر تمثالا صغيرا للمسيح. لقد مزقه الأصوليون عندنا اربا اربا وهو في العشرين من عمره بسبب ارتكابه لهذه الخطيئة التي تبدو لنا الآن هفوة بسيطة لا تستحق اكثر من ضربة كف، هذا اذا ما استحقت. ولكن الناس آنذاك كانوا متعصبين دينيا الى حد الهوس.. كنا مثل المجتمعات الاسلامية حاليا، أي مجتمعات ما قبل الحداثة، نرفض أي نقد عقلاني للدين، او أي دراسة تاريخية للنصوص المقدسة. وزاد من تفاقم حالة هذا «الفارس الشاب دولابار» هو انهم وجدوا «القاموس الفلسفي» لفولتير في بيته عندما فتشوه. فجن جنونهم واتهموه بالالحاد وقتلوه شر قتلة. هكذا كنا في السابق وينبغي ان نعترف بذلك لكي نفهم ما يفعله المسلمون اليوم.

اما الباحث اوليفييه روا الذي اصبح الآن مشهورا بعد نشر العديد من الكتب عن افغانستان والحركات الاصولية بشكل عام فيقول ما معناه: انه لمن التبسيط القول بأن الصراع الدائر حاليا حول الصور الكاريكاتورية الدانماركية هو صدام حضارات بين الغرب الذي يؤمن بحرية التعبير وعالم الاسلام الذي ينكرها كليا!.. فالواقع ان حرية التعبير محصورة او ملجومة حتى في الغرب نفسه من قبل شيئين: القانون وإجماع الرأي العام. فمعاداة السامية ـ أي كره اليهود كيهود ـ تعتبر جنحة في اوروبا ويعاقب عليها القانون. والعنصرية بشكل عام، سواء أكانت ضد اليهود أم ضد العرب والسود، مدانة ايضا. والكنيسة الكاثوليكية استطاعت ان تسحب من سوق الاعلان ذلك المشهد الذي صور العشاء الاخير للمسيح وهو محاطا بالنساء العاريات بدلا من الحواريين! ومعلوم ان هذه الدعاية ظلت معروضة على الجمهور طيلة عدة اسابيع حتى اشتكت عليها الكنيسة الى المحاكم وربحت الدعوى وتم سحبها. وهو سلوك حضاري بالطبع. وهو نفس العمل الذي تتبعه المنظمات الاسلامية في فرنسا لمنع نشر الصور الكاريكاتورية التي تشوه صورة نبي الاسلام بدون حق. وبالتالي فالمسلمون، في اوروبا على الاقل، يتصرفون بشكل حضاري تماما كالمسيحيين. وهذه اشارة طيبة ودليل خير بالنسبة للمستقبل. فالعقليات تتطور ولا تظل جامدة. نقول ذلك على الرغم من ان البعض يريد ان يسجن المسلمين في عقلية أبدية سرمدية لا تحول ولا تزول.

ولكن بعض الباحثين او بالاحرى الصحفيين يقولون مدافعين عن الجريدة الدانماركية: نحن لم نصور النبي الحقيقي للاسلام، نحن صورنا الصورة التي يشكلها عنه المتطرفون من جماعة «القاعدة». وبالتالي فنحن لم نشوهه وانما هم الذين شوهوه.. وهناك ردود فعل اخرى عديدة لا استطيع التوقف عندها كلها.

وأيضا في موضوع آخر سألت الأخت نجود:

دان براون أشتهرت رواياته بالطابع البوليسي..لكن في احد رواياته( شيفرة دافنتشي) تطرق لشي محظور ( في التعمق بالديانه النصرانيه.. وشرحه لأسباب الذهاب إلى الكنيسه أيام الأحاد ماخوذ من البوذيه) نجد مااحد حاربه زي ماقلت انت عن كتاب (أيات شيطانيه) بل بالعكس ساهمة فكرة الروايه إلى طبع أكثر 8 ملايين نسخه؟..(ماهي وجهة نظرك)

الواقع أن لا اعتراض على مناقشة الفكر الديني والبحث حوله، هناك كتب كثيرة في العالم الاسلامي تتحدث مثلا عن خلق الإنسان بما يخالف أصل الخلق الانساني كما ورد في القرآن الكريم، وهناك كتب تتحدث عن بعض التأثيرات البابلية والسومرية وحتى الفرعونية في القرآن الكريم، لكن هذا كله مقبول مادام فكرا يطرح للنقاش ودفعا للدليل بالدليل للوصول إلى الحقيقة فيزداد المؤمن ايمانا ويزول لبس الملبس، بل وهذا كله قد يدخل في باب التفكر والاعتبار والتدبر التي حث عليها الكتاب الكريم.

لكن الشتائم والسباب موضوع مختلف..
وهذا هو سبب الاعتراض على رواية آيات شيطانية لرشدي، هي لم تقدم فكرا للمناقشة بل بذاءات، ومع ذلك كان الحل الأمثل يوم نشرت الرواية أن نعرض عنها أو أن يتفرغ بعض الكتاب لتوضيح الاكاذيب الواردة فيها، اما اهدار الدم واصدار فتوى بذلك فقد خدم الرواية الرديئة أصلا بلا شك، وساهم في انتشارها وشهرة رشدي غير المستحقة على الاطلاق.

ومراجعة لمقال هاشم صالح، توضح للأخت الكريمة أن طريقة التفكير في الغرب تختلف عن طريقتنا نحن في التفكير، وذلك ما يجب مراعاته ونحن نتحدث عن حرية التعبير في رواية مثل شفرة دافنشي، هذا أولا، ثم أن الاساءة إلى نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام يتجاوز بكثير مناقشة البعد التاريخي لقضية يوم الأحد في التراث الديني المسيحي.
.
.